الأقباط متحدون - الخطأ السياسي أكثر من جريمة
أخر تحديث ١٤:٣٠ | الأحد ١٦ اغسطس ٢٠١٥ | ١٠مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٥٤السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الخطأ السياسي أكثر من جريمة

على سالم
على سالم

العنوان ليس من إنشائي، هو من كلمات تاليران الشهيرة. رجل دولة ورجل سياسة ودبلوماسي وقائد عسكري فرنسي (1754 - 1838) والمدهش في سيرته الذاتية أنه عمل مع عدة حكومات متعاقبة ومضاد بعضها لبعض، وكأن الجميع من كافة الاتجاهات كانوا في حاجة إليه لموهبته الكبيرة وخبرته الطويلة وآرائه التي ثبت دائمًا صحتها. لقد عمل مع لويس السادس عشر، ثم مع الثورة التي اقتلعته، ثم في فترة حكم نابليون الأول، ولويس الثامن عشر، وشارل العاشر، ولويس فيليب. معنى ذلك أن أحدًا لم يتهمه بأنه من الفلول أو من رجال العهد البائد، علما بأنه عمل مع حكومات كلها بادت. أذكر لك هذه الملامح من حياته لأشرح لك جملته الشهيرة «أكثر من جريمة.. إنه خطأ سياسي».

هكذا أنظر أنا ويجب أن تنظر أنت للخطأ السياسي، أي باعتباره أكثر من جريمة. انظر معي إلى الوراء وتوقف عند بريمر أول حاكم أميركي للعراق بعد الغزو. أهم جرائمه، أقصد أهم أخطائه السياسية، هو قراره إلغاء الجيش العراقي وحزب البعث العراقي، وكانا يمثلان العمود الفقري للدولة العراقية. لقد استمعت إليه بالصدفة في حديث إذاعي. وسأله المذيع: إلى أين سيذهب ضباطه؟ فأجاب: المستشفيات العراقية في حاجة ماسة إلى ممرضين.

بهذه الإجابة أدركت على الفور أن الرجل لا يفهم أي شيء عن المنطقة، ولا عن البشر الذين أرسلوه ليحكمهم. لو أن أساتذته في قسم العلوم السياسية التي تخصص فيها، طلبوا منه أن يقرأ كتاب «الأمير» لميكيافيللي وليس ملخصًا له، لفكر هو وحكومته ألف مرة قبل الإقدام على هذه الجريمة، التي امتدت آثارها حتى اليوم وغدًا.

قال ميكيافيللي للأمير: لا تستعن بمعارضي الأمير السابق، فمهما أعطيتهم وأغدقت عليهم فسيشعرون أنك أعطيتهم أقل مما يستحقون، ومن ثم يكونون مصدرًا للمتاعب.. اعتمد على أعوان النظام السابق وموظفيه ومسؤوليه. هؤلاء يتوقعون أن تبطش بهم أو على الأقل تقصيهم بعيدًا عن أماكنهم. ولكنك عندما تتركهم في أماكنهم فسيشعرون بالامتنان الكبير لك، ويخلصون في خدمتك، ويدافعون بشدة عن نظامك.

خطة الحكومة الأميركية في غزو العراق ترتبت عليها متاعب للشعب الأميركي والحكومات الأميركية، على الأقل للألف عام المقبلة. هل تذكر المشاهد الأولى في غزو العراق؟ هل تذكر جيش معارضي صدام حسين من المغامرين السياسيين الذين كانوا يقيمون في أوروبا وأميركا ونزلوا العراق بعد الغزو الأميركي؟ ترى أين هم الآن؟ اختفوا جميعًا.

إذا كنت ترى في حماستي لمفكر من بداية عصر الاستنارة في أوروبا واستشهادي بآرائه في السياسة، إذا رأيت في ذلك نوعًا من التجاهل لأفكار العصر الذي نعيشه الآن، فأنا أقول لك: وهل نحن نعيش الآن؟ هل تملك الدليل على أننا نعيش الآن؟ نحن «أمسيون» نعيش الأمس، وليس الجزء المشرق فيه، بل الجانب المظلم منه. لا تخدعنك الطائرات التي نركبها ولا أجهزة الكومبيوتر التي نستخدمها، فكل ما نمارسه من مظاهر العصر الهدف منه هو أن نستمتع بفرض أفكار العصور الوسطى على أنفسنا وعلى الناس.

نقلا عن الشرق الاوسط


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع