الأقباط متحدون - وبعوده يا عايده
أخر تحديث ٠٨:٣٧ | الخميس ٦ اغسطس ٢٠١٥ | ٣٠أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٤٤السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

وبعوده يا عايده

بقلم: ليديا يؤانس
بُشرة خير ياوش الخير يا عايده ...
وبعوده الأحتفالات يا عايده ...

رجع القائد الفرعوني راداميس،   مُنتصراً يحمل أهازيج النصر والفرحة للمصريين،   بإنتصار الفراعنة علي الأحباش،   يحمل في جعبته ما أمكن من غنائم،   وأيضاً عدداً لا بأس به من الأسري،   ولكنه أصبح أسيراً  لعيون إحدي الأسيرات،    فتاة سوداء رشيقة ذات ملامح جذابة،   تحمل في جيناتها ملامح القرن الأفريقي،    وأيضاً  سمات الملوك والأمراء.

ربط الحب بين القائد والأسيره،   أو بمعني أصح الأميرة عايده إبنة ملك الحبشة،   ولكن راداميس لا يعلم أنها إبنة الملك المهزوم الذي كان يهدد وادي النيل،   كانت ضمن المأسورين من  الأثيوبيين لدي الفراعنة المصريين،   لقد إنتصر الجيش المصري بقيادة راداميس علي الأحباش،   ولكنه وقع في حب عايده،  وهي أيضا وقعت في حب من حارب مملكة أبيها وهي الآن أسيرة لا تعرف مصيرها أو مصير شعبها وأبوها.

لم تكن هذه فقط مأساة عايده،    بل أيضاً نيران الغيرة التي بدأت تحرق وتدمر هذا الحب وليد زنانين السجون،   فلقد ظهرت في المشهد أميزيس إبنة فرعون التي كانت تشاطرها حب القائد راداميس.

بدأت أميزيس في إستجواب راداميس في شكوكها من جهة حبه لعايده،  وفي نفس الوقت إختبار مشاعر عايده من جهة رادميس،  وعندما تأكدت هددتها كأسيرة ألا تتعدي حدودها،  فأضطرت عايده تحت هذا الإستفزاز إلي كشف نفسها بأنها أبنة ملك الحبشة.

أقيمت إحتفالات النصر بعودة القائد المنتصر،   وتم إستعراض الأسري وكان من ضمنهم ملك الحبشة أمونسيرو،  الذي بدأ يضغط علي إبنته بعدم التخلي عن شعبها،  أما راداميس فطلب أن تكون مكافأته إطلاق سراح الأسري،  لبي فرعون طلبات راداميس بل ومنحه في نفس الوقت يد إبنته ليتزوجها ويعتلي عرش مصر.

في ليلة العرس ذهبت العروس إبنة فرعون إلي معبد إيزيس لأخذ البركات قبل الزفاف،  وفي نفس الوقت كانت عايده علي موعد مع حبيبها خارج المعبد،   وهنا ظهر أبو عايده وعرف قصة حبها للقائد،  فبدأ  يضغط عليها لكي تعرف خطة سير الجيش المصري إلي الحبشة،  رفضت ولكنها أخيراً رضخت لضغوط أبوها ورغبة منها في إنقاذ شعبها فخدعت حبيبها،  وهنا ظهر أبوها الذى كان مختبئاً،  وأعلن عن هويته كملك للحبشة بعد أن سمع  الخطة من راداميس.

هلع راداميس من فعلته كخائن لبلده،   وحاول والد عايده قتل ابنة فرعون بالخنجر ولكن تصدي له  راداميس،  وطلب من عايده وأبوها أن يهربا وسلم نفسه للمحاكمة،  حاولت ابنة فرعون التدخل لإنقاذ حياته بشرط ترك عايده ولكنه رفض مؤكا علي أن حبه لعايده خالد وأنه يفضل الموت عن أن ينفصل عن حبيبته.

حكمت المحكمة عليه بالدفن حياً،  وعندما وصلوا إلي المقبرة، وجد عايده بداخل المقبرة في إنتظاره معلنه بأنها تفضل الموت بجانبه علي أن تعيش وحيده بدونه.

حاول راداميس تحريك الصخرة التي تسد المقبره لإنقاذ حياتهما ولكن بدون جدوي فأستسلما لمصيرهما،  وفي نفس اللحظة كانت ابنة فرعون فوق الأرض تصلي من أجل السلام!

عايده قصة حقيقية عاطفية درامية،  قصة حب إتولدت في أحداث صعبة جداً مؤلمة،  عايده هي قصة إنتصار عظيم للمصريين وخاصة الجيش المصري،  قصة تمثل الصراع بين الواجب والعاطفة،  صراع بين  حبها للقائد الفرعوني والذي يبادلها نفس الحب وبين واجبها نحو شعبها ومملكة أبوها ملك الحبشة.

تم إكتشاف مخطوطة قصة عايده بواسطة العالم الفرنسي "أوجست ماريتا" في وادي النيل.

منذ 146 عاماً وبالتحديد في عام 1869 كانت مصر بصدد  إفتتاح مشروع عالمي يخدم العالم كله قبل مصر،  وأرادت مصر أن تفرح وتقدم للعالم إبداعاً  فنياً راقياً،   يتناسب مع عظمة الحدث وهو إفتتاح قناة السويس،   الذي إستغرق بناؤها 10 سنوات بأيدي المصريين في ظروف صعبة وشاقة،  مات فيها الألوف من أبناء مصر،  وكان في ذلك الوقت يحكم مصر الخديو إسماعيل الذي كان مشهوداً له بحبه للعلم والفنون ومُسايرة التقدم في كل المجالات.

أراد الخديوي إسماعيل أن يُتحف العالم بتُحفة فنية رائعة بمناسبة إفتتاح قناة السويس،  أمر ببناء دار أوبرا مصرية لتكون جاهزة خلال شهور للإحتفال بإفتتاح القناة يوم 17 نوفمبر 1869،   وكان من مظاهر الإحتفال الكبير تعبيد طريق الهرم وبناء دار الأوبرا،  فتم بناؤها في أقل من خمس شهور وتكلفت 160 ألف جنيه،  وقام بتصميمها المهندسان الإيطاليان "بيتروافوسكاني"  و  "رويتس،"  وكانت تسع ل 850 متفرج،    ومكانها كان في ميدان الأوبرا أو ميدان العتبة حالياً.

طلب الخديوي إسماعيل من مدير الآثار الفرعونية ميريت باشا عالم المصريات الفرنسي،    إختيار موضوع يصلُح ليكون رواية لأوبرا مصرية،  إختار قصة عايده وكتبها،  وكتب نصها الغنائي "الليبرتو" حيسلانزوني،  وبعد ترجمتها سلمها للموسيقار الأيطالي "فيردي" فوافق علي تلحينها مقابل 150 ألف فرنك من الذهب الخالص.
وبالرغم من كل هذه التجهيزات لم تعرض أوبرا عايدة في يوم إفتتاح القناة بسبب عدم وصول الملابس والديكورات واستبدلت أوبرا عايده بأوبرا ريجوليتو،  وتم تقديم عايده للمرة الأولي في العالم في 24 يناير 1871.  

أوبرا عايده ليست عملاً فنياً  مصرياً بل أوربياً،  ألحانه وكلماته أوربية،   أوبرا عايده تُعتبر من أعظم وأروع الأوبرات العالمية،    يتم عرضها في أماكن كثيرة بالعالم،   واشتهرت مقاطعها بمارش إنتصار الجيش المصري أي موسيقي السلام الوطنى.

الآن في 6 أغسطس 2015 أي بعد مرور 146 عاماً علي إفتتاح قناة السويس القديمة يعيد الزمن نفسه لإفتتاح قناة السويس الجديدة في عهد الرئيس القائد عبد الفتاح السيسي،   الذي بهر العالم بإمكانياته القيادية وشخصيته التي تتميز بكاريزما  ذو تأثير عجيب علي من يتعاملون معه حتي مع البسطاء.

قناة السويس الجديدة شقها أيضاً المصريين بسواعدهم وأموالهم وعرقهم،  ومش حتصدقوا في سنة واحدة،   بالرغم من الظروف الصعبة التي كانت تمر بها مصر،   هذه القناة التي راح ضحيتها بعض العشرات ستكون بمثابة نقلة نوعية  وعصرية في مرور السفن وإبحارها في مدة زمنية قصيرة.

مصر بتفرح وحتفرح بروح وقوة وعزيمة الفراعنة المصريين،  ودائماً سيقدمون للعالم ما يبهرهم كما تعودوا من مصر أن تكون رائدة عن جدارة،  والفرح محتاج يتبلور ويترجم في أعمال فنية تبهج النفوس فتتمايل طرباً علي نغم الإنتصارات والإنجازات.

ظهرت أوبرا عايده  تُطل علينا مرة أخري في إحتفالاتنا بقناة السويس الجديدة،   لتذكرنا دائماً بعظمة المصريين،   ويبدو أن اسم عايده يعني التكرار،    فهذا بُشرة خير،    وإلي مزيد من الإنجازات والإحتفالات،    وبعوده يا عايده.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter