بقلم - فاروق عطية
حققت النجاح والانسجام قى وطنها الجديد. عٌنت على خاطرى هذه التسؤلات حين قابلتها صدفة فى محلات القدس حيث كنت ألتقط بعض الصحف العربية. نظرت إلى باسمة وقالت: أنت أبو العربى .. عرفتك من صورتك التي تنشر مع أحلامك .. وأتمنى أن أكون إحدى بطلات أحلامك. قلت مداعبا: أرجو أن تكون حكايتك حلما لطيفا لا كابوسا يؤرق القراء.
اصطحبتها إلى إحدى مقاه تيم هورتون لنحتسى أقداح القهوة ولأستمع لحكايتها. تركتها تلقى بعبئها دون مقاطعة، قالت: إسمى ( ل.... )، عراقية، كنت أدين بالصابئة المندائية ولكنى الآن أنتمى لكنيسة الأقباط الأرثوذوكس ببرامتون. لعلك قرأت حكايتى التى رواها زوجى السابق محاولا تشويه سمعتى بإحدى الصحف العربية قلت للأسف لم أطالعهاعموما بعد سمع قصنك حتي أكون أمينا مع فرائي لا بد من سماع وجه العملة الأخري. استمرت في سرد حكاينها: نعم كنت فتاة بسيطة ساذجة كما قال فى حكايته، من أسرة مستورة وليست ميسورة وهو أيضا من نفس الطبقة وليس من أبناء الأثرياء كما قال. استطاع أن يملك قلبى ومشاعرى بلباقته ووسامته حين تقدم يطلب يدى، خاصة حينما ادعى أنه من رجال الأعمال الناجحين فى كندا وجعلنى أحلم بعيش رغيد. وأول صدماتى معه حدثت ليلة الدخلة حيث نزع عن رأسه الباروكة التى كنت أظنها شعره الجميل فإذ به أقرع الرأس مقزز المنظر. رزقنى الله بطفلة جميلة قبل قدومى إلى كندا أسميتها ( ك.... )، وحين وصلت إلى كندا واجهتنى الصدمات متتاليات، منها أنه تنكر لإسمه العربى ( عبد ال.... ) ويطلق على نفسه إسما افرنجيا تنكرا لعروبته التى أفخر بها، ومنها أنه ليس برجل أعمال ولكنه يعمل مرماطونا بأحد المطاعم بشارع هورونتاريو بمسيساجا، ولا يملك منزلا بل يعيش فى غرفة مظلمة بباسمنت بمنزل سيدة جامايكية تدهى ( ه.... )، مما اضطرنى أن أعمل أيضا بأحد المقاه بشارع دندس حتى نستطيع دفع فواتير حياتنا. ويضحكنى ما ادعاه أنه علمنى أصول وآداب المائدة بالرغم أنه ما زال يجهلها حتى الآن. حاولت أن أبث فيه روح المغامرة كما اعترف بذلك فى قصته، كنت احثه على الاقتصاد رغم شظف العيش كى نبنى لنا بيزنيس صغير يكبر مع الأيام، ولكنه للأسف كان فاقد الهمة والرجولة، مما اضطرنى أن أعمل خادمة بمنزل محاسب كندى إسمه ( ج... )، الذى أحاطنى بعطفه واستطاع إغوائى بسلاسل الذهب والأجهزة المنزلية كهدايا نظير قضاء أوقات سعيدة معه، وكان زوجى المبجل يرى الهدايا ولا يعارض مما أكد لى أنه موافق بل ويطلب المزيد، كنت أتمنى أن يعترض، أن يصفعنى, أن يقتلنى دفاعا عن شرفه وعرضه ولكنه لم يفعل، فسقط من نظرى كرجل شرقى، وحمدت الله أنه تنازل عن إسمه العربى. وحين اكتشف بالصدفة أننى أحصل على الولفير الحكومى كى ألبى طلباتى وطلبات إبنتى بسبب تقتيره الشديد، كان تفاعله دليل نذالته، فقد أبلغ عنى أننى أعمل ولا أستحق الولفير، وبدلا من الانفاق على وعلى إبنته ـ كما ذكر فى حكايته ـ جمع ملابسه وترك المنزل دون رجعة. لم أستطع دفع الإيجار لقلة دخلى فتركت السكن لأعيش فى شقق رجال يستضيفوننى وإبنتى، مما جعلنى ألعن اليوم الذى ساقنى إلى ترك بلادى لأمارس الرزيلة كى أعيش. وظللت أتنقل من بيت لبيت حتى قيض الله لى شابا مصريا عطف على وخلصنى من عارى وتزوجنى وأنجبت منه طفلا جميلا يملأ حياتى بهجة وود مع أخته ( ك.... ). وإذا كان الرجال معادن، يكون زوجى السابق من خردة رديئة أما زوجى الذى يرعانى فهو من ذهب، وقلامة ظفر منه تسوى المئات من أمثال هذا النذل الحقير.
قلت لها بعد أن أنهت روايتها: سيدتى أنا متعاطف معك لما قاسيته من حياة ولكننى كنت أتمنى أن تقاومى ولا تنزلقى للرزيلة مهما كانت المغريات، وأحمد الله أن ساق لك من خلصك ورفعك من الوحل، راجيا ألا تعودى له مرة أخرى مهما حدث لك من ظروف لا قدر الله. وأعدك بنشر حكايتك بعد أن أعرف الوجه الآخر من العملة، من زوجك السابق. فوافقت بل وأعطتنى رقم تليفونه وعنوان منزله.
بالأمس حاولت الاتصال به تليفونيا وحين قلت: ألو عبد ال....، قال: النمرة غلط وأغلق الخط، طلبته مرة أخرى فأصر على موقفه. ولما كنت أنا أيضا عنيدا لا أهزم بسهولة فقد قررت أن أزوره فى منزله لأستجلى الحقيقة. طرقت بابه وحين فتح لى وتطلعت لوجهه الشاحب ذو الملامح الأنثوية وباروكته المسبسبة على رأسه الخالى من الشعر وقد يكون من الشعور أيضا، وحين ذكرت له سبب زيارتى، وبمجرد نُطق إسم من كانت زوجته، اكفهر لونه وحاول إغلاق الباب فى وجهى، قتملكنى الغيظ الشديد ولم أدرى إلا ويدى تمتد لتنزع الباروكة من على رأسه المقزز، وأنفجرت فى ضحك متواصل، فما كان منه إلا وعاجلنى بلكمة قوية أطاحت بمعظم أسنانى، فصرخت من الألم الشديد لأفيق وأجد أم العربى تنظر إلى والشرر يتطاير من عينيها .. وتصر على طلب الطلاق ..!!