الأوطان تعيش وتتقدم بالأحلام، أما العصابات فتعيش على الأوهام وتقتات بالخرافات، لذلك كان حلم قناة السويس الجديدة مهماً لمصر الوطن، وكان وهم طشت أم وجدى غنيم لائقاً ومناسباً لعصابة الإخوان!، أهم من الحديث عن طول قناة السويس هو الحديث عن طول انتظار حلم جديد ينعش ذاكرة مصر المحروسة، وأهم من الحديث عن عمقها هو الحديث عن عمق الوجدان المصرى وطبقاته الجيولوجية التاريخية التى تحمل حكمة الزمن وفجر الضمير، أهم من الحديث عن مياه القناة هو الحديث عن حبات العرق التى توجت جباه المصريين الذين حفروها وحفروا فى ذاكرة الأمة ذكرى استشهاد 120 ألفا أثناء حفرها الأول فى زمن الخديو، ومثلهم استشهدوا من أجل حمايتها والحفاظ عليها فى ثلاث حروب متتالية 1956 و76 و73،
أهم من كل هذا استعادة الثقة فى الإنسان المصرى، الذى يستطيع ويقدر وينفذ وينجز ولكن بشرط أن تضعه فى المنظومة الصحيحة القادرة على استفزاز كل طاقاته الإيجابية، أما إذا تركته للمنظومة العشوائية المترهلة التى نجدها فى معظم مؤسساتنا الأخرى فسنجد إنساناً آخر نندهش من أنه هو نفسه من حفر وعرق وانتظم واجتهد والتزم فى مشروع القناة!!،
مفردات المنظومة السليمة الصحيحة هى الصرامة والانضباط والتخطيط وميزان الثواب والعقاب والالتزام بميعاد محدد والمكافأة على قدر الجهد والحافز على قدر العمل والإنتاج، أتمنى أمنية أخيرة لكى تكتمل سيمفونية تلك المنظومة الرائعة وترسل كل رسائلها الإيجابية إلى المصريين جميعاً الذين مزقهم التناحر الطائفى فى السنوات الأربع الماضية، أنادى الرئيس السيسى والفريق مميش ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أن يتم بناء كنيسة بجانب المسجد الجميل الموجود على ضفة القناة الجديدة، كنيسة باسم «أبانوب»،
ابن القنطرة غرب والإسماعيلية، الذى قاتل دفاعاً عن الكمين، مانعاً بجسده وسلاحه سيارة المتفجرات من تفجير الكمين وقتل زملائه، ضحى بنفسه من أجل أن يعيش هؤلاء ومن أجل أن نعيش نحن ومن أجل أن يكتمل الحلم، أبانوب صابر الذى صبر وتصريح الإجازة فى جيبه انتظاراً لزميله المسلم أن يشاركه رحلة السفر والعودة إلى حضن الإسماعيلية، نريد ترسيخ المعنى الجميل الذى وضعه ودشنه أهل الإسماعيلية حين وضعوا آيات القرآن على سرادق عزاء أبانوب، نريد لكل من يزور أو يطل على هذه الكنيسة، التى لا نطلب أن تكون كبيرة ولا ضخمة، نطلبها مجرد رمز، نريد من كل زائر، مسيحياً كان أو مسلماً، أن يستوعب تلك المعانى التى تراكم عليها التراب والصدأ،
لن نطلق على الكنيسة اسم قديس أو راهب، ولكن سنطلق عليها اسم مقاتل روت دماؤه الزكية رمال سيناء ورفرفت روحه مع طيور النورس على ضفاف قناة السويس، شريان الأمل ونبض الحلم وإيقاع الحياة التى تستحق أن تعاش، تستحق أن يحتفى بها لا أن نفجرها ونفخخها ونبيدها ونستأصلها تحت أى دعوى أو ادعاء من جماعة أو عصابة أو تنظيم.
نقلا عن خالد منتصر