عدبالخالق حسين
العلاقة بين حكومة إقليم كردستان برئاسة مسعود بارزاني مع الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان ليست حباً عذرياً افلاطونياً بريئاً، بل هي علاقة استغلال أحدهما للآخر لأغراض سياسية مشتركة، وهذا معروف ومقبول في السياسة، وتعتبر حنكة ودهاء، ولكن على شرط أن تكون ضمن حدود معقولة ومشروعة. أما إذا بُنيت هذه العلاقة على الباطل، ومبدأ عدو عدوي صديقي، فغالباً ما تنتهي بالكوارث وبالأخص على الجانب الأضعف، وفي هذه الحالة على الجانب الكردي. فما يجمع السيدين، بارزاني وأردوغان، هو عداءهما المشترك للحكومة العراقية الفيدرالية، فكل منهما يريد أن تكون هذه الحكومة ضعيفة، ليسهل عليه جعل العراق البقرة الحلوب لامتصاص آخر قطرة من ثرواته وتدمير وحدته الوطنية.
فالسيد مسعود بارزاني، يتمتع بالاستقلال التام عن الدولة العراقية، وكما ذكرنا مراراً، أن ما أبقاه في علاقة هلامية شكلية مع العراق هو لسببين: الأول، ضمان 17% من حصته من ثروات وحكم العراق، ودون أن يكون للعراق أي دور في حكم كردستان أو نصيب من ثرواته. والثاني، هو وعدم ملائمة الظروف المحلية والدولية لإعلان استقلال كردستان.
كما ويواجه بارزاني الآن، أزمة سياسية في كردستان تهدد عرشه، وأدت لإلى تدهور شعبيته، خاصة بعد أن أبدى تعاطفه مع أردوغان في قصفه مواقع الحزب العمال الكردستاني (PKK) في شمال العراق، إذ أفادت الأنباء أن (بارزاني: يشيد بالخطوات الايجابية للحكومة التركية ويحمل حزب العمال مسؤولية تدهور الامور)(1). ولكن تحت ضغط الشارع الكردستاني أدلى أخيراً بتصريحات خجولة أدان فيها القصف التركي للمناطق الكردية. إلا إن الناطق باسم حزب العمال الكردستاني، أفاد وحسب ما جاء في نشرات البي بي سي الأخبارية، أن القصف التركي ضد مواقع حزبه كان بموافقة بارزاني، و إدانة الأخير للقصف التركي جاء للاستهلاك المحلي لتبرئة نفسه أمام الشعب الكردي الرافض لهذا العدوان.
و الملاحظ، أن بارزاني في نفس الوقت، يسعى لاستدراج الحكومة العراقية إلى مواجهة خطيرة مع تركيا، حيث طالب أحد نوابه في البرلمان العراقي: (ان الحدود الجوية لإقليم كردستان تحت سيطرة وحماية الحكومة الاتحادية، داعيا الاخيرة الى وقف الهجمات التركية على مناطق الاقليم)(2). ولا يحتاج القارئ أن يكون عبقرياً ليعرف أن هذا النائب صرح بما صرح بأمر من قيادته. وهنا تظهر ازدواجية السيد مسعود بارزاني بشكل واضح وجلي، والتي يعتبرها شطارة وحنكة سياسية. ولكن دروس التاريخ تؤكد العكس، إذ تفيد أن من يحفر بئراً لأخيه يقع فيه.
وبيت القصيد هنا، أنه في الوقت الذي تمنع فيه حكومة الاقليم مرور القوات العراقية في مناطق كردستان لتحرير الموصل من رجس داعش، وتوافق وتبارك لأردغان ضرب قوات(PKK)، تطالب الآن الحكومة العراقية الفيدرالية بمواجهة تركيا (لان الحدود الجوية لإقليم كردستان تحت سيطرة وحماية الحكومة الاتحادية...). فالغرض من مطالبة الحكومة العراقية بحماية كردستان من القصف التركي لقوات العمال الكردستاني هي لاستدراج الحكومة العراقية لمواجهة حربية مع تركيا في الوقت الذي يواجه فيه العراق حرباً ضارية مع داعش، وبذلك تكون حكومة الإقليم قد كسبت ثلاثة طيور بحجر واحد. وهكذا الشطارة والفهلوة وإلا فلا.
لقد بات معروفاً لدا أغلب المحللين السياسيين والمتابعين لمشاكل الشرق الأوسط في العالم، أن الرئيس التركي أردوغان ليس جاداً في ضرب داعش، وإنما وافق أخيراً على السماح لطائرات التحالف الدولي بقيادة أمريكا لضرب مواقع داعش في سوريا والعراق من قاعدة أنجرليك، مقابل موافقة أمريكا لضرب الحركة الكردية في تركياً، وحتى في سوريا. لذلك قام بضربات جوية لمواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وحملة اعتقالات لنشطاء الحزب في تركيا، بينما تؤكد التقارير الدولية ومنها تقرير للسيد باتريك كوكبرن في الإنتديبندنت أن تركيا لم تساهم في ضرب داعش، وأن الاتفاق الأمريكي-التركي لم يؤدي إلى القضاء على داعش ولا حتى إضعافها (3). فالاتفاقية أطلقت يد تركيا لضرب القوات الكردية في شمال سوريا أيضاً، والتي لعبت الدور الرئيسي في تحرير مدينة كوباني (عين العرب) من داعش.
خلاصة القول، يجب أن يعرف السيد مسعود بارزاني، أن ربط مصير الشعب الكردي بأردوغان لعبة خطيرة جداً والشعب الكردستاني في العراق وسوريا وتركيا، هو الذي سيدفع الثمن الباهظ بسبب أخطاء قادته السياسيين وقصر نظرهم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- كردستان تطالب حزب العمال بابعاد ساحات قتالها عن الاقليم
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/195571.html
2- نائب كردي: حكومة المركز تسيطر على أجواء الإقليم وعليها وقف الهجمات التركية
http://www.akhbaar.org/home/2015/7/195481.html
3- PATRICK COCKBURN: Turkey-Kurdish conflict: Obama's deal with Ankara is a betrayal of Syrian Kurds and may not even weaken Isis
http://www.independent.co.uk/voices/turkeykurdish-conflict-obamas-deal-with-ankara-is-a-betrayal-of-syrian-kurds-and-may-not-even-weaken-isis-10432524.html