الأقباط متحدون - قمبيز.. آخر مرة
أخر تحديث ٠٧:٠٣ | الثلاثاء ٤ اغسطس ٢٠١٥ | ٢٨أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٤٢السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

قمبيز.. آخر مرة

على سالم
على سالم

التاريخ لا يغادر مكانه، هو قابع هناك داخل لا وعي البشر في انتظار اللحظة التي يقفز فيها خارجًا من لا وعيهم ليمارس رغباته، ما كان جدك يعمل على تحقيقه منذ آلاف السنين، تتوق أنت لفعله عندما تتاح لك الفرصة.

بعد أن انتهى قمبيز من احتلال مصر، أخذ يعد العدة لغزو الحبشة. فأرسل مجموعة عمل استخباراتية من آكلي السمك» إلى ملك الحبشة ومعهم هدايا كثيرة وكلمات معسولة عن الرغبة في صداقته. غير أن ملك الحبشة كشفهم وردهم إلى مصر. وقال لهم: أبلغوا ملككم أنني مستاء أشد الاستياء لغزوه مصر التي لم تسبب له أي نوع من أنواع الأذى.. وأعطوه هذا القوس.. عندما يتمكن من جذبه إلى الوراء، سيتمكن من غزو بلدي.

كان القوس مصنوعا من خشب قوي للغاية في حاجة لهرقل ليتمكن من شدّه إلى الوراء. طبعًا هي هدية تحمل إهانة في إطار مهذب، هو يتهم قمبيز بأنه أضعف من أن يستخدم هذا القوس، وهو يتحداه أن يحاول غزو الحبشة. وبالفعل لم يفكر قمبيز في غزو الحبشة. الواقعة رواها الكهنة المصريون لهيرودوت عند زيارته لمصر. ولكني توقفت طويلاً أمام تلك الصفة الغريبة التي وصف بها المجموعة الاستخباراتية.. ماذا يعني بآكلي السمك.. ألا تأكل الناس جميعًا السمك؟ أم أن هذا المصطلح يعني شيئًا آخر ليس له صلة بالسمك؟ ولما كنت أعرف أن مرور آلاف السنين لا تمحو الأساطير القديمة من أفئدة البشر، لذلك سألت صديقي الروائي المصري النوبي حجاج أدول: ما هي حكاية السمك عندكم؟
كنت على ثقة أنه من الممكن أن تجد بسهولة آثار الأساطير والمعتقدات المصرية القديمة عند الورثة من أهل النوبة. قال لي أدول: أهل النوبة يعتقدون أن الأسماك تسكنها أرواح البشر.. وأنك عندما تأكل سمكة فربما كنت تأكل روحا لمتوفى هو قريب لك.. عندما انتقلنا من النوبة إلى الإسكندرية، عندما كنا نستدعي بائع السمك المتجول ليصعد إلى بيتنا، كانت أمي تغادر البيت على الفور، لم تكن تطيق رؤيتنا ونحن نشتري السمك أو نطهوه.

فهمت من ذلك أن الصفة التي أطلقها هيرودوت على هذه المجموعة الاستخباراتية، تعني أنهم ككل المكلفين بأعمال خطرة، لا يشعرون بضعف تجاه أي أحد أو أي شيء.

ترى.. هل أفلح مرور آلاف السنين في القضاء وإنهاء حكاية السمك هذه من ثقافة المصريين الشعبية؟ الإجابة هي لا أعتقد ذلك ودليلي هو ذلك المصطلح المصري الشهير أن فلانا «مقطّع السمكة وديلها» وهو ما نصف به الشخص الماكر شديد الحذق صاحب التجارب الكثيرة والمتنوعة في شؤون الحياة.. بالتأكيد هو آكل السمك القديم الذي تكلم عنه هيرودوت. هو لا يأكلها فقط، بل قادر على تقشيرها وتقطيعها بما في ذلك ذيلها. قد تتساءل وهل هذا الأمر في حاجة إلى قدرات خاصة؟ وأرد عليك كدمياطي أصيل من آكلي السمك، كثيرون من أصدقائي يعجزون عن التعامل مع السمكة بطريقة صحيحة، ويطلبون منا نحن المحترفين أن نساعدهم في تقشيرها والتعامل مع أجزائها المختفية. أؤكد لك أنه ليس لديّ شك في وجود علاقة قوية بين ما قاله هيرودوت عن آكلي السمك وهذا المصطلح الشعبي الشهير؟
ولو كان الأمر غير ذلك، لقال المصطلح الشعبي إن فلانا «مقطّع الفول المدمس أو الطعمية أو العدس أو البصارة أو المحشي أو.. أو.. إلى آخر الأوأوات المعروفة التي يجيدها المثقفون».

نقلا عن الشرق الاوسط


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع