مينا ملاك عازر
الحديث عن الملف النووي الإيراني والانفراجة التي حلت به أخيراً حديث يطول رغم أنه حديث ذو شجون ويثير الجنون ولكنك لا تستطع أبداً الكف عن الخوض فيه وتحليله لأنه مليء بالعبر.

دعنا نتساءل، لماذا إيران؟ ولماذا لم تبدأ أمريكا بكوريا الشمالية مثلاً؟ فهي الأخطر نووياً والأكثر تهديداً لليابان الحليف الإستراتيجي لأمريكا في آسيا، حليف اقتصادي مؤثر على اقتصاد العالم لكن أمريكا اختارت التهدئة مع إيران التي تسعى لامتلاك سلاح نووي لم تسعى للتهدئة مع كوريا التي تمتلكه فعلياً ذلك يرجع لإن الملف النووي الإيراني يعد العقبة الكؤود أمام العلاقات بين إيران وأمريكا، وهي نفسها العلاقات التي ترجوها أمريكا لتساعدها إيران للقضاء على داعش ما يعني دخول المنطقة في سلسلة من الحروب ليتم ذلك، ما سيؤدي بالضرورة لتفتيت المنطقة وهز عرش ملوك السعودية، وهو ما يعني سقوط وقيام دول كبرى وقيام كيانات صغرى تسهم في عيش إسرائيل الحليف الإستراتيجي عسكرياً لأمريكا في المنطقة بسلام.

لست من أنصار أن أمريكا تفعل كل شيء من أجل إسرائيل لكنه لا جدال في أنها تسعى لمصلحتها وتسعى لإرضائها، وإن بدت إسرائيل غير راضية على المصالحة الإيرانية الأمريكية فلا جدال أنها مستفيدة من قيام حروب كثيرة في المنطقة بين حزب الله وداعش وجبهة النصرة والحرس الثوري الإيراني بالوكالة عن السعودية وإيران والنظام السوري مما سيؤدي لتفتيت العراق وسوريا وانهيار لبنان وبقاء إسرائيل في أمان، ولكن هل يمكن أن تقوم الحرائق من حولك وتبقى أنت في أمان.

هذا سؤال ليس موجه لحضرتك بالضرورة لكنه سؤال تخيلي لتدرك موقف إسرائيل وهي جزيرة حولها النيران، تظن أمريكا أنها بذلك تشغل الكل عنها لكن ما لا شك فيه أنها ستكون في خطر إذا تلاحمت النار وأمسكت في قشة إسرائيلية بسيطة فمعظم النار من مستصغر الشرر، ما يهدد إسرائيل في هذه النيران المتوقع استعارها يهدد مصر فلا مانع مطلقاً أن تمتد نار الصراع بين حماس الممولة من قطر على أنها تنظيم إرهابي سني والمسلحة من إيران على أنها شوكة في ظهر إسرائيل وولاية سيناء الممولة من تركيا وقطر لأرض سيناء في صدام تشهده أراضي مصرية أو يمس أرض مصر بشكل أو بآخر اللهم إلا إذا قررت حماس الانضمام للواء قطر وترك إيران وهذا أخطر فاتفاق أعداءك على منهل واحد للتمويل المالي والعسكري يجعلك أمام جيش موحد التنظيم والقيادة، إذن أنت في كل الأحوال في خطر لا مراء فيه.

السؤال هنا، لماذا إيران مرة أخرى؟ نكرر السؤال لنتذكره ولنقدم سبباً آخر وهو إيذاء روسيا الاتحادية، روسيا تحت قيادة بوتين خمسين بالمئة من اقتصادها قائم على البترول والغاز الطبيعي، ومن بنود اتفاق الملف النووي الإيراني ترك الفرصة لإيران لزيادة إنتاجها من البترول مليون برميل ما ينذر بخفض سعره ويؤثر بالسلب على الاقتصاد الروسي الذي بالفعل تأثر بالانخفاض الشديد الذي ألم بسعر خام برنت للبترول.

وأخيراً، وليس بآخر الأسباب أن التوافق الأمريكي الإيراني يسهل لأمريكا الخوض في المسألة اليمنية الأخطر على طرق التجارة بالتحكم في مضيق باب المندب ويتيح لأمريكا زيادة فرصتها الساعية لإسقاط النظام الإيراني من الداخل دون ضغوط خارجية بإسعار نار الثورات والقلاقل ضد نظام لا يهتم بحقوق الإنسان مطلقاً، ويحمل بين جنباته جوانب تفككه بعدم وجود عدالة في توزيع الثروات بين شعبه وتعدد الطوائف الشيعية.