بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(546)
أقباط مصر لهم مطالب لم تتحقق بعد-وكلها تتصل بتفعيل المساواة في حقوق المواطنة-والكنيسة القبطية لها مطالب لم تحصل عليها بعد,مثل تشريع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وتشريعات بناء وتدعيم وترميم الكنائس…وهذه المطالب سواء للأقباط أو للكنيسة تنبع من صميم الدستور ولا مساومة عليها,لكننا نعلم أنها إن لم تكن قد تحققت بعد فذلك لأنها من الأمور التي سيعهد بها البرلمان المقبل ضمن مهامة الدستورية في الإصلاح التشريعي…ولعلنا جميعا عندما نتحدث عن الإصلاح التشريعي المرتقب-كمصريين ثم كأقباط-ندرك جسامة التحدي الماثل أمامنا ونحن نقبل علي مسار انتخاب البرلمان,لكن هذه قصة أخري.
إذا…تطلع الأقباط إلي الإصلاح التشريعي وتحقيق المساواة في حقوق المواطنة يجب أن يتواكب مع احترام وإعلاء القانون,والمساواة في الحقوق تستقيم مع المساواة في الواجبات…صحيح أن الأقباط لايزالون يتعرضون لضربات ومضايقات وإرهاب خاصة في بعض مناطق صعيد مصر,لكن ذلك حتما سيزول وينتهي مع تخلص مصر من الإرهاب واستعادة سطوة الأمن وفرض قوة القانون.
أقول ذلك لأني توجست إزاء ردود الأفعال الغاضبة التي انتابت بعض الأقباط-ولم يسلم منها بعض الزملاء من محرريوطني-عقب صدور خطاب وزير الكهرباء المرسل إلي قداسة البابا تواضروس والمتضمن اعتزام الوزارة انتهاج سياسة جديدة لتركيب عدادات قياس استهلاك التيار الكهربائي في الكنائس ومطالبة الكنائس بسداد قيمة ذلك الاستهلاك,وهو مالم يكن معمولا به من قبل,حيث تضاربت الأقوال بين سابق إعفاء دور العبادة من سداد قيمة استهلاك التيار الكهربائي وبين قيام جهة تابعة للدولة بتحمل تلك القيمة.
وأيا كان الأمر,لا يجب أن تتولد مشاعر رفض أو احتجاج إذا دعت الحاجة إلي إعادة النظر فيما كان سائدا قبلا,ولا يليق الانسياق وراء مشاعر غضب تري في مثل هذا القرار ضربة موجهة ضد الكنيسة,بل إن الأكثر خطورة أنه لايجب إطلاقا الانزلاق نحو نعت القرار بأنه ليس سوي هجمة أخري تضاف علي الهجمات التي يتعرض لها الأقباط…ولكنها هذه المرة هجمة تأتي من جانب الدولة!!
عدت إلي القرار الصادر من وزير الكهرباء في هذا الخصوص لأتبين حقيقة الأمر فوجدته في الخطاب المرسل منه إلي قداسة البابا وهذا نصه:
وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة
من مكتب الوزير صادر في2015/6/18
إلي قداسة البابا تواضروس الثاني
بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية
تحية طيبة وبعد
أتشرف بإحاطة سيادتكم أنه في ضوء متابعة السيد رئيس الجمهورية للموضوعات المتعلقة بقطاع الكهرباء,فقد عقد سيادته اجتماعا بتاريخ2015/6/15 وقد وجه سيادته خلال الاجتماع بضرورة تركيب عدادات مسبوقة الدفع في كافة دور العبادة(مساجد/كنائس).
وقد صدرت التعليمات بالفعل لشركات توزيع الكهرباء للتنفيذ علي أن يتم إرسال مطالبات بالتكلفة للجهات التابعة لسيادتكم بعد الانتهاء من التنفيذ.
برجاء التفضل بالإحاطة والتنبيه بما يلزم الجهات التابعة لسيادتكم للتعاون مع شركات التوزيع لإتمام هذا الأمر طبقا لتكليفات السيد رئيس الجمهورية.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام…خالص تحياتي وعظيم تقديري لقداستكم.
وزير الكهرباء والطاقة المتجددة
دكتور/محمد شاكر المرقبي
وتحمل صورة الخطاب تأشيرة بخط اليد وغير موقعة-لعلها لقداسة البابا-بتاريخ2015/6/24 هذا نصها:نيافة أنبا رافائيل,أبونا سرجيوس:لتعميم هذا الخطاب لجميع الإيبارشيات والكنائس.
إذا الأمر يعكس سياسة جديدة متبعة من جانب الدولة سوف تطبق علي جميع دور العبادة من مساجد وكنائس…ولا توجد شبهة التربص بالكنائس وحدها أو توجيه ضربة لها أو مضايقتها…ورئاسة الكنيسة لم تحتج علي ذلك ولم تنظر إلي القرار علي أنه هجمة علي الكنائس,بل صدرت التوجيهات علي الفور لنشر الخطاب عبر سائر الإيبارشيات والكنائس لإحاطتها علما بمضمونه وتعاونها ضمنا مع الجهات الرسمية المناط بها تنفيذه.
حرصت علي عرض هذه القضية لوضعها في نصابها الصحيح والحيلولة دور اختطافها والزج بها بالاندفاع والغضب إلي حيث مغبة خروجها عن نطاق الموضوعية والسيطرة…أما فيما يخص التساؤلات حول كيفية تحمل الكنيسة كمؤسسة لأعباء هذا القرار,ومن أين لبعض الإيبارشيات محدودة الموارد,أو لبعض الكنائس التي ترعي شعبا فقيرا الوفاء بقيمة استهلاكها من التيار الكهربائي,فتلك تساؤلات مشروعة إذا توفر لها مناخ هادئ عاقل مترفع عن نظرية الضربة أو المؤامرة,يمكن أن يتدبر الجميع الأمر بالحكمة الواجبة.