الأقباط متحدون - العرب وإيران.. من يتغير أولاً؟
أخر تحديث ٠٨:٣٩ | الاربعاء ٢٩ يوليو ٢٠١٥ | ٢٢أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٣٦السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

العرب وإيران.. من يتغير أولاً؟

حسن أبو طالب
حسن أبو طالب

فى أولى جولات وزير الخارجية الإيرانية لثلاث دول عربية وهى الكويت وقطر والعراق، بعد أسبوعين من توقيع الاتفاق النووى، وفى محطة الكويت تحديداً، طالب جواد ظريف الدول العربية بأن تغير سياستها نحو إيران من أجل ما اعتبره مواجهة التهديدات المشتركة وفى مقدمتها الإرهاب، ومؤكداً أن بلاده لن تغير سياستها، وهو الأمر نفسه الذى سبق أن أكده المرشد الأعلى فى أول خطبة للجمعة بعد توقيع الاتفاق، معتبراً أن السياسة الإيرانية الراهنة قد أثبتت جدواها فى حماية الجمهورية الإسلامية وفى دفع الدول الغربية إلى قبول إيران كقوة إقليمية. وبهذا المعنى فإن الدعوة إلى تغير الدول العربية يعنى ببساطة تقديم فروض الطاعة والولاء لطهران.

وإلى حد كبير يبدو هذا المنطق الإيرانى معقولاً، فإيران ورغم تنازلها النسبى فى الاتفاق بشأن دورة التخصيب وكمية البلوتونيوم المخصب التى لديها، اكتسبت نقاطاً عديدة يمكن إجمالها فى الاعتراف الدولى بأن برنامجها النووى سوف يستمر حتى ولو كان تحت رقابة دولية مشددة، وأن فوائضها المالية المحجوزة سوف يُفرج عنها، وأن كلمتها بشأن العديد من القضايا الإقليمية لا بد أن تُحترم وأن تُراعى. وهو ما يُعد حصاداً جيداً رغم الثمن الباهظ الذى تم دفعُه سابقاً إبان فترة المقاطعة وتوقيع العقوبات الدولية. ووفقاً لتحليلات باحثين إيرانيين فإن هذه النتائج تعنى فاعلية السياسة الإيرانية ذات الطابع الهجومى والتوسعى فى المحيط الإقليمى، والتى ساعدت طهران على بناء نقاط تمركز قوية فى عدة بلدان عربية تدعم الوجود الإيرانى وتيسر لطهران بناء مساحة نفوذ سياسى ومعنوى ودينى تم توظيفها كأوراق تفاوضية بجدارة، وأنه لولا هذه السياسة الهجومية لما اقتنع الغرب أخيراً بعدم القدرة على محاصرة بلد كبير كإيران لسنوات طويلة وبلا سقف محدد. ومن اليسير دحض الكثير من الافتراضات التى قامت عليها هذه التحليلات الإيرانية، لا سيما فى تجاهلها الطبيعة البراجماتية التى تتسم بها السياسات الغربية بوجه عام والسياسة الأمريكية بوجه خاص، وهى السمات التى أدت بالغرب إلى تقديم الكثير من التنازلات لإيران بغية الوصول إلى هذا الاتفاق. ولكن بعيداً عن هذا الجدل النظرى، يظل السؤال قائماً: هل من الواجب على العرب أن يبدأوا التغيير فى سياستهم ومواقفهم تجاه إيران كنتيجة لازمة وضرورية بعد توقيع الاتفاق النووى؟ وإجابتى ببساطة تتكون من شقين، الأول على المدى القصير والمباشر، أعتقد أن العرب ليسوا بحاجة لأن يغيروا مواقفهم تجاه طهران وتدخلاتها فى الشئون العربية، بل عليهم أن يظهروا قدراً أكبر من الصرامة فى الرد على هذه التدخلات، كما عليهم المراقبة الدقيقة لكيفية تطبيق الاتفاق النووى وأن يتابعوا حجم التغير الغربى تجاه إيران اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً. ذلك أن إمكانية أن يحدث تراجع غربى رسمى يترتب عليه العودة إلى بيئة سياسية متوترة كما كان الوضع قبل توقيع الاتفاق وتؤثر بدورها على الاتفاق ككل، هى إمكانية قائمة ولا يجب تجاهلها بأى حال، بل يجب وضعها كمشهد قابل للتحقق بما لذلك من تداعيات سلبية على الجانب الإيرانى قبل غيره.

أما على المستوى البعيد نسبياً، أى ما بعد خمس إلى عشر سنوات، فأعتقد أن على العرب السير فى مسارين؛ أولهما زيادة درجة الترابط والتماسك والتنسيق فى السياسات العربية الجماعية تجاه القضايا العربية والإقليمية، وبما يترتب عليه استعادة العرب لقضاياهم العربية والتحكم فى مساراتها بعيداً عن أى تدخل إيرانى أو غير إيرانى، ويمكن أن يحدث ذلك تحت مظلة الجامعة العربية أو برعاية وتنسيق من قبل الدول الرئيسية العربية كمصر والسعودية والجزائر والمغرب. ويدخل فى هذا السياق تفعيل القوة العربية المشتركة التى سيتم توقيع البروتوكول الخاص بها بالجامعة العربية فى القاهرة. والمؤكد أن وجود هذه القوة العربية على الأرض من شأنه أن يمثل عنصر ردع عسكرى وسياسى كبير ومؤثر، ويضيف للدور العربى بوجه عام، كما سيمثل حائط صد فى مواجهة الكثير من محاولات إيران أو غير إيران للتمدد فى النطاق العربى.

أما المسار الثانى فى المدى البعيد نسبياً، فهو استعادة المواقع التى خرجت من المظلة العربية لتصبح واقعة تحت التأثيرين الإقليمى والدولى، وكلاهما لا يهتم بالمصالح العربية على الإطلاق. وفى هذا السياق تبدو استعادة سوريا ويليها العراق إلى المنظومة العربية مسألة فى غاية الأهمية. فبدون هذه الاستعادة سيظل البلدان واقعين تحت التأثير الإيرانى المفرط. والواضح أن العرب بحاجة شديدة إلى مراجعة ما قاموا به من أدوار سياسية وعسكرية فى الحالة السورية على وجه السرعة، وكشف ما أدت إليه بالفعل من زيادة حدة الأزمة السورية ووصولها إلى ما يقرب من نقطة اللاعودة. ورغم صعوبة أن تخرج دولة عربية أو أكثر على الملأ وتعلن أن سياستها بشأن سوريا كانت خاطئة تماماً، فليس هناك بديل آخر. وفى المقابل تعلن أنه تضامناً مع الشعب السورى والمصلحة العربية المشتركة قررنا تغيير نهجنا عديم الفائدة إلى منهج أكثر ديناميكية يضع فى اعتباره وحدة سوريا الإقليمية وبناء نظامها السياسى وفق توافق سورى سلمى وبدون أى تدخل خارجى، وبعيداً عن آلة العنف الأكثر ارتباطاً لما يُعرف بالمعارضة السورية المسلحة. وبالضرورة يتطلب الأمر مراجعة نقدية للموقف من الرئيس بشار والتخلى -ولو بنسبة معينة- عن اعتباره جزءاً من المشكلة والنظر إليه كجزء من الحل ولو مرحلياً. والمتصور أن هذه المراجعة ليست بدون ثمن على بشار أن يدفعه، من قبيل القيام بدور مباشر فى وقف التمدد الإيرانى فى بلاده، واستعادة القدرة على صنع القرار بعيداً عن أى نفوذ خارجى وإقليمى، وأن يُسلم السلطة بعد فترة وجيزة لمن يتفق عليه عربياً، وأن يحصل على قدر من الضمانات بعدم الملاحقة له ولأتباعه.

هذان المساران متكاملان ويتطلبان إدراكاً ووعياً بقيمة عنصر الزمن، وأن عدم التحرك الجاد والممنهج من اللحظة الجارية سيؤدى تباعاً إلى فقدان العرب الكثير من الأوراق والإمكانات الراهنة التى يمكن توظيفها توظيفاً بناء للحد من أى نفوذ إيرانى إقليمى إضافى. وإذا كنا نؤمن بأن إيران هى التى عليها أن تغير سياستها الهجومية ضد البلدان العربية، فمن الخطأ انتظار هذا التغيير دون أن يصاحبه ضغوط وتحركات عربية تقنع طهران بأنها دولة من ضمن دول أخرى فى إقليم واحد ومتشابك، وأن مساعيها للهيمنة لن تمر مرور الكرام.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع