هى جزء أصيل من قدر مصر، شكلت أهم منحنيات تاريخها ووقفاتها، أكدت ثقلها الإقليمى.. إنها قناة السويس التى أعادت التواصل بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، وقد كان روادها أجدادنا العظماء المصريين القدماء حين شق سنوسرت الثالث، أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة، عام 1874 «ق.م.»، أول قناة تصل بينهما عن طريق نهر النيل، ثم تهمل ويعاد افتتاحها مرات عديدة على امتداد تاريخ المصريين القدماء، وتشهد تطورات مختلفة لنصل إلى قناة أمير المؤمنين على يد الوالى العربى عمرو بن العاص، حتى يردمها بعد مائة وخمسين سنة الخليفة العباسى أبوجعفر المنصور، ليقطع الطريق على إمدادات مصر إلى أهالى مكة والمدينة الثائرين على الخلافة العباسية، لتعود فكرة فى عقل نابليون 1798 لكنه يتوقف عن استكمال مشروعها لخطأ علمى تصور أن مناسيب المياه مختلفة بين البحرين مما يهدد مصر بالغرق.
بعد ستة عقود يعاود الفرنسيون من خلال فرديناند ديليسبس، صديق الخديوى سعيد، طرح فكرة المشروع ويترجمها إلى واقع فى 25 أبريل 1859، ويمتد العمل نحو عشر سنوات، ليفتتحها الخديو إسماعيل فى احتفال أسطورى، ويرتبط تاريخ مصر السياسى احتلالاً واستقلالاً وحروباً وانكسارات وانتصارات بالقناة، وتشهد حدثين فارقين ما بين انكسار يونيو 67 وانتصار أكتوبر 73.
وبعد أن يسترد المصريون فى 30 يونيو 2013 وطنهم بعد أن اختطفه الإرهابيون بامتداد عام بأكمله، ووسط معارك ومواجهات الاسترداد يفاجأ العالم بقرار مصر بتطوير المجرى الملاحى للقناة بحفر قناة جديدة تفك اختناقات المسار التقليدى، بامتداد نحو 35 كليومتراً، وبيمنا يمتد العمل فى القناة التاريخية لعشر سنوات، تصر الإرادة المصرية على إتمام الحفر والتكريك والتبطين وضبط القاع وافتتاحها فى سنة واحدة، وفق رؤية تعتمد التخطيط المدقق والحركة المكوكية فى توفير مستلزمات العمل من كل أنحاء العالم، والتنسيق بين كل هذه المراحل دون أدنى ارتباك أو تخبط، ليقول هذا الشعب وجيشه إنه يستطيع أن يتحدى الظروف والمعوقات وتحالفات القوى الإرهابية والإقليمية والدولية، فى لحظة فارقة، استطاعت مصر أن توقف المد الذى استهدف إعادة رسم خريطة المنطقة فيما عرف بـ«الشرق الأوسط الجديد»، بعد أن نجح فى خطواته الأولى والمدمرة فى العراق وليبيا وسوريا واليمن وقبلها تونس التى كانت خضراء، وما زالت تواجه وتقاوم بيد وتحفر وترسم خطوط التنمية وتشق الطرق التى تغير خريطة التواصل بين أرجائها، كبنية أساسية لتنمية مستهدفة، هى الطريق الوحيد للانتقال إلى صفوف الاقتصادات الكبيرة.
تقرر مصر أن يكون احتفالها بافتتاح القناة الجديدة يوم 6 أغسطس 2015، وهو يوم سيجد له مكاناً بجوار 6 أكتوبر العتيد، ليوقع المصريون لحظاتهم المجيدة على جدار الزمن، ويمكن أن يكون يوماً فاصلاً بين ما قبله وما بعده، ليتنفس الشارع الصعداء ومعهم أمل فى الخروج إلى النهار، بعد سنوات عجاف طالت، وربما يفسر لنا هذا ضراوة الحراك الإرهابى ضد أمن وسلام واستقرار الوطن، فى تصور لا ينقصه الغباء أن جماعة يمكن أن تهزم وطناً، من خلال تعطيل إعلان افتتاح مشروع الإرادة المصرية.
على أن يوم 6 أغسطس يعلن أننا نملك ونستطيع أن نقتحم المستقبل بقوة، بعد أن أسس لقيمة التخطيط وفق القواعد العلمية، والقدرة على التنفيذ بأيدٍ وعقول مصرية خالصة، خاصة أن الرؤية تجاوزت مجرد تطوير مجرى مائى حتى لو كان بقدر وحجم وأهمية قناة السويس، إذ امتدت الرؤية إلى محور القناة بقيام كيانات صناعية وخدمية ومدن جديدة تضع مدخلاً غاب طويلاً لتعمير حقيقى لمنطقة سيناء لتتحول من منطقة خطر إلى منبع خير لمصر وللمصريين.
«6 أغسطس» يقول لنا أولاً وللعالم أيضاً: «نعم، نستطيع».
تحيا مصر.
نقلا عن الوطن