إن كنت تكره عبد الناصر فهذا حقك، نعم حقك أن تعتبره رئيسا فاشلا وديكتاتورا أدخل البلاد في نفق مظلم، لك ما شئت كما لك حرية اعتباره رئيسا عظيما وقائدا ثوريا ورمزا قوميا عروبيا وخير من أنجب المصريين.
لكل شخص حق الاختيار، فالرجل ذهب عند ربه وترك الدنيا في العقد الخامس من عمره، ما يعني أن حبك أو كرهك له لن يزيده درجة، ولكن وأنت تقول رأيك لا تكذب، نعم اكره ولا تكن كاذبًا، "ولا يجرمنكم شنئان قوم ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى".
الكذب في تلك المرة لم يكن من كتب تاريخية أو من عاصروا تلك الفترة حتى نستطيع الرد عليهم، ولكنها جاءت من السلاح الأقوى الآن وهو مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنتشر فيها أي جملة دون أي تدقيق مستغلة جهل كثيرين بحقائق التاريخ، ومن ثم نجد صفحات ظهرت ومواقع – لا نعرف من يمولها - تتحدث عما قبل عبد الناصر يمجدون الملكية، وفي وسط هذا الحنين الزائف يمتلئ الأمر بالأكاذيب.
«عبد الناصر ضيع السودان وفلسطين»، هكذا كانت إحدى أمثلة الكذب الفج، فمن يقرأون هذا لم يعرفوا شيئًا عن ثورة السودان عام 1924، التي طالبت بإنهاء الاحتلال البريطاني، وكان أبرز نتائجها هي أن بريطانيا قررت إنهاء لواء من الجيش المصري في السودان بعد حادث مقتل السير "لي ستاك"؛ لتصبح السيادة المصرية على السودان منذ ذلك الوقت اسمية فقط، لا شيء سوى الاسم.
أما من يقولون إنه ضيع فلسطين فليعود إلى حوارات ناصر المذاعة عام 1970، وهو يقول إنه يمكن حل مشكلة سيناء بأن يكتفي بمصر ويترك فلسطين، في إشارة منه إلى كامب ديفيد قبل توقيعها بسنوات، ثم مَن الذي أضاع فلسطين؟.. من حارب من أجلها – حتى ولو خسر - ما دفع بن جوريون إلى التعبير عن ارتياحه بموت ناصر؟، أم من سمح للعلم الإسرائيلي بأن يرفع في مينا هاوس وتناول الكئوس مع جولدا مائير؟.. وهل كان فاروق يحكم مصر أصلا ليحكم مصر والسودان؟.. تلك إذًا قسمة ضيزى!
الديمقراطية والحقبة الأربعينية والتجربة الرائعة لمصر، كلمات ستسمعها كثيرًا، لا لأنها حقيقة بل لأنها باطل، وسنتحدث هنا بالأرقام التي تشير إلى أنه خلال ثلاثة عقود، كان حزب الوفد هو حزب الأغلبية ويفوز في كل انتخابات حكم مصر سبع سنوات فقط، أما باقي الحكومات فكانت أقلية، إذن أين إرادة الشعب؟.. أين اختياره في أن يمثله الوفد ضمير الأمة؟، كل ذلك ضرب به عرض الحائط ورأينا وزارات اليوم واليومين والموالين للإنجليز حتى جاءت الطامة الكبرى في حادث 4 فبراير، حينما تمت محاصرة القصر وقيل لفاروق إما النحاس وإما عزلك!
«أيام ما كانت مصر بتقعد والجميع بيقف» كلمات ستطالعك على صورة يجلس فيها الملك فاروق وحوله زعماء العرب، ولكن السؤال وهل جلست مصر في عهد ناصر؟.. ودعك من أكذوبة أن ملك لم يحكم بلده يستطيع أن يؤثر في دول أخرى، لكن إن كان فاروق جلس والعرب وقفوا فعبد الناصر خلع حاكما من القاهرة، فقد تم إنهاء حكم عبد السلام عارف في العراق بسبب الناصريين فقط، ووفقًا لكلام أنطوني أيدن - وزير خارجية بريطانيا الأسبق - في كتابه "ناصر"، فإن اجتماعات القمة كان ناصر يتعامل فيها على أنه الأستاذ، فكان يخبط بيده على «الترابيزة» وكان لا يجرؤ أحد أن يرفض له كلمة؛ لتأثيره على شعوبهم التي هتفت ناصر، التي حملته بسيارته حينما وطأت قدماه شوارع دمشق.
«شوف الجنيه المصري كان بكام ودلوقتي بكام»، وكانت بريطانيا مدينة لنا، نعم كانت بريطانيا مدينة لنا؛ لأنها استولت على البنوك المصرية، ما دفع الدكتور عبد الجليل العمري، إلى القول إن مصر بقرة ترعى وحليبها يذهب إلى بريطانيا، يحدث هذا في عصر الملك المبجل الذي كان يجلس والوطن العربي يقف.
لن يحدثوك عن تقرير البنك الدولي رقم 870، بأن مصر حققت نموا 7% من عام 1957 - 1967، بما يعادل أربعة أضعاف ما حققته مصر خلال 30 سنة ماضية، حتى أن النمو ظل بعد نكسة 67!، كما أنهم لن يحدثوك أن مصر حققت فائضا في الميزان التجاري لأول وآخر مرة في تاريخها عام 1969، بفائض 46.9 مليون جنيه في هذا الوقت.
كما أنهم لن يعترفوا أنهم كانوا يريدون أن يستمروا في إفكهم، أن مساحة الرقعة الزراعية زادت بنسبة 15% ولأول مرة تسبق الزيادة عدد السكان، وزاد عدد الشباب في المدارس والجامعات والمعاهد العليا بنسبة 300%، أو أن الأراضي المملوكة لفئة صغار الفلاحين زادت من 2 مليون فدان إلى 4 ملايين فدان.
لن يقولوا لك إن ناصر توفي واقتصاد مصر أقوى من كوريا الجنوبية، وأن فائض العملة الصعبة تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار بشهادة البنك الدولي، أو أن ثمن القطاع العام في عهد ناصر بلغ 1400 مليار دولار، وكان نتيجة تلك النهضة انخفاض الأمية من 80% عام 1952 - ترك فاروق شعبا جاهلا – إلى 50% عام 1970؛ بفضل مجانية التعليم.
لن يحدثوك عن ذلك كله، ولكنهم سيظلون فقط يكذبون، فإن كنتم كارهين لا تكونوا كاذبين؛ لأن هذا ليس من حقكم، نعم ليس من حقكم أن تبخسوا عقول مصر بمهندسيها وعمالها في أنهم صنعوا نهضة، ليس من حقكم أن تنكروا جهد عامل وضع طوبة في السد العالي، أو مهندس اشترك في بناء مصنع أو عقول وضعت الخطط الخمسية وجاءت بثمارها، ليس من حقكم أن تكونوا كاذبين.
نقلا عن vetogate.com