مينا ملاك عازر
طال الحديث عن مسلسل تحت السيطرة لما قدمه أبطال العمل مريم ناعوم وتامر محسن ونيللي كريم إلخ إلخ من عمق لتجسيد شخصية المدمن ومن حوله من أهله غير المدمنين، وكانت حتى الموسيقى التصويرية للعمل رائعة، وقفة كل حلقة مبدعة، النهاية منطقية، السواد الذي كان بادياً ورأيناه كان مرعب بحق، لكن هل شاهد المسلسل المدمنون؟ وهل إن شاهدوه اقتنعوا بما قدمه المسلسل؟ المسلسل قد يرعب فقط غير المدمنين، فيبتعد بهم عن الإدمان، لكنني لا أظن أن المسلسل دفع أحد المدمنين للتعافي.

الثورة الكبرى التي قامت على المسلسل وأبطاله لما قدموه من فجاجة في التعامل مع القضية ثورة أشعر وكأنها مدبرة من كثرة ما قامت على المسلسلات الأخرى دون داعي، تكرار الهجوم على الأشياء الناجحة أو المسلسلات الفاشلة لإنجاحها بات أمر رديء، يحتاج لوقفة، مسلسل كمسلسل تحت السيطرة فقط يحتاج للتأمل وللنقاش وليس للهجوم الذي يقام له برامج حوارية، فقد اهتم الكثيرون بالصدور العارية والعلاقات المحرمة ومشاهد الإدمان والكلمة المكررة في كل حالة مشابهة، أن المسلسل أظهر مصر وكأن كلها مدمنين مع أن المسلسل أظهر مصر وهي تكافح الإدمان في صورة الأهل الذين يدعمون أبناءهم، وصورة شريف الذي تعافى ويقود الكل للتعافي، لا تنظروا يا سادة للنصف الفارغ من الكوب فلا يوجد نصف فارغ لأنه ملآن، ولو كان ملآن هواء، كما أن المسلسل يقدم لنا نقطة غاية في الأهمية وهي أن الإدمان ليس شرطاً أن يكن بالمخدرات فليكن لعلميات التجميل مثلاً وهو ما ينخلع على إدمان الإنترنت والشغل وإدمان المطبخ وإدمان أي شيء يسيطر علينا ويستعبدنا ويجعلنا أسرى له، ونترك كل شيء في سبيل إدماننا هذا.

أما أكثر ما يستوقفني من خلال مشاهدتي للمسلسل، وما أدعو حضرتك لتأمله أيضاً، ذلك الوهم الذي يعيشه المدمن أن إدمانه تحت السيطرة، ذلك الوهم الذي يجعله يرتكن لألا يحاول الكف عن الإدمان لأنه ضامن أن إدمانه تحت السيطرة، ويمكن وقفه في أي وقت متى أراد، ولكنه لا يريد ولا يستطع أن يريد لأنه يعيش وهم السيطرة على الإدمان، ثقتك في أنك تضع شيء ما تحت السيطرة ثقة تحتاج مراجعتها بل أنك تحتاج أن تتوقف كثيراً مع الغير متى أعلن أن شيء ما تحت السيطرة، ولفظة تحت السيطرة لفظة شائعة في مجتمعنا المصري للأسف، فتجد الشرطة تكثر من استخدام تحت السيطرة حين تتحدث عن الوضع الأمني وبعدها تفاجأ بالكارثة واقعة، وحالة بنا مصيبة أمنية، وتجد الوزراء يقولون أن الأمور في وزاراتهم تحت السيطرة فتقع المصيبة وللأسف، في مصر الكل يدعي أن كل شيء معني به تحت السيطرة، في حين أن الحقيقة أن لا شيء تحت السيطرة كلنا يا سادة مدمنين لقول تحت السيطرة، فلعل هزيمة الزمالك من الأهلي مثلاً الأخيرة هي هزيمة من قبيل نتائج ما هو تحت السيطرة، فقد ظن اللاعبون منذ مدة غير قصيرة أن الدوري تحت السيطرة ويمكن حسمه بسهولة، فلم يستطيعوا السيطرة عليه للآن مع أنهم كانوا قادرين، وكانوا يظنوا أن الفوز على الأهلي أمر يسير وتحت السيطرة، فلم يستطيعوا السيطرة وحسم المباراة والدوري لهم لأن ثقة تحت السيطرة تقود للكشف عن وهم السيطرة، وذلك في بلاد كبلادنا يدعي الجميع  أن كل شيء تحت سيطرته.

أرجو ألا نعلن بأن ثمة شيء تحت السيطرة إلا إذا كان فعلاً تحت السيطرة، لأن الإعلان عن هذا أول السقوط.

المختصر المفيد كل الأشياء تحل لي ولكن لا يتسلط علي شيء.