فاروق عطية
فى العقار رقم 21 بشارع «ابن خلدون» المواجه لقصر السكاكينى بـ«حى الضاهر»نشأ إتش، فى منزل مكون من 3 طوابق, في عائلة كانت معروفة بالأدب وحب الخير، أباً عن جد، والدته الدكتورة هنية محمد عبده، الست الطيبة، كانت تعالج أى مريض مجاناً على نفقتها الخاصة ولا تتوقف عن
أعمال الخير وتشارك بالرأى والنصيحة، كانت كبيرة بين الناس كلمتها حكمة، كل أهالى الحى عارفينها كويس جداً، ويحلفون بحسن كرمها وأخلاقها العالية وعقلها السديد. كان إتش في صغره شاطر جدا، ومجتهد وذكى، وعمره ما بيخاف طالما هو على حق، كان يقول دايماً: «اللى معاه الحق، معاه ربنا». شخصيته فى مرحلة الصبا والشباب لم تختلف مع كبر سنه أو عمله كمسئول كبير بالدولة. غادرت عائلته المنزل قبل عدة أعوام إلي منزله بشارع عمَار بن ياسر في حي النزهة بمصر الجديدة, لكن أبوابه لا تزال مفتوحة لاستقبال ذوى الحاجة والسائلين بالطابق الأول فى جمعية خيرية أسستها العائلة قبل الرحيل. ظل إتش يذكر زملاوء الصبا والشبان وهم أيضا يذكرونه, من منهم من واصل مراحل التعليم أو من توقف في الطريق وكانوا جميعا لا ينادونه إلا بالإسم المفضل لديهم منذ الطفولة إتش مهما كبرت مناصبه. قال عنه عم حسين حلمى صاحب ورشة النجارة إنه أحسن من فينا، الرجل الطيب اللى عاش حياته بيننا بأدب، ما شفناش منه غير كل خير، سواء وهو صغير أو لما اتخرج من الحقوق وواصل مناصبه القضائية. يحكى «الحاج ماهر» عن أيام الدراسة التى جمعت بينهما قائلا: «كان شاطر جداً، ومجتهد، وذكى, أن شخصيته فى مرحلة الصبا والشباب لم تختلف مع كبر سنه أو عمله كمسئول كبير بالدولة. بائع فاكهة، يستعيد أياماً مضت عليها سنوات طويلة، لكنها لا تمضى من ذاكرته، يقول وابتسامة الحب تملأ جوانحه: «إتش» أكتر من أخ، راجل بجد مش أى كلام، من صغره طريقه مستقيم، ويعرف ربنا، الصح صح والغلط غلط، وأحلى صفاته التواضع، كان مشهور عند الجماعة الكبار زى حالاتى باسم (إتش) نقوله يا (إتش) دون حرج. يتذكرعم «حسين حلمى السيد» أعمال خير لا تحصى لابن حى «السكاكينى» بين مساعدة فقراء، وحل مشكلات للأهالى، والمشاركة فى مناسبات الضراء والسراء: «كان يُخرج من جيبه ويعطى للمحتاج، وأكتر من مرة حضر مشكلات تتعلق بحقوق مادية وكان يدفع من ماله الخاص لتراضى الطرفين وحل الأزمة، وعمره ما غاب عن عزاء يعرّف به أو فرح يُدعى له، سواء وهو شاب صغير أو خلال مراحل عمله, وعشان كده كلنا بنحبه ولسه ريحة العيلة موجودة وسطنا», ومن حب أهل الحي له خمس من العائلات أطلقوا علي أطفالهم إسمه. "ملاحظة: لم أجد ذكر لوالده في أي مرجع"
إتش الذي أحببناه هو هشام محمد زكي بركات (21 نوفمبر 1950 – 29 يونيو 2015) النائب العام المصري منذ 10 يوليو 2013 حتى مقتله، وهو النائب العام الثالث في مصر بعد ثورة 25 يناير. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1973 بتقدير عام حيد جدا، وتم تعيينه وكيلاً للنائب العام حتى أصبح رئيس بمحكمة الاستئناف، ثم تم انتدابه رئيساً للمكتب الفني والمتابعة بمحكمة استئناف الإسماعيلية وقت نظر قضية محاكمة المتهمين في قضية أحداث ستاد بورسعيد. كما تولى أيضاً قضية هروب المساجين من سجن وادي النطرون، والذين كان من بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي. ثم تم انتدابه رئيساً للمكتب الفني بمحكمة استئناف القاهرة.
أصدر الرئيس المعزول محمد مرسي إعلاناً دستورياً تم بمقتضاه عزل المستشار عبد المجيد محمود النائب العام السابق من منصبه، وتعيين المستشار طلعت إبراهيم بدلاً منه، لكن حكمت محكمة النقض المصرية ببطلان هذا التعيين وعودة عبد المجيد محمود الذي استقال من منصبه فور إعادة تعيينه. فقام مجلس القضاء الأعلى المصري، في الأربعاء 10 يوليو 2013، بالموافقة على ترشيح المستشار هشام بركات وتعيينه رسمياً في منصبه، وهو من القضاة المدافعين على استقلال القضاء المصري، ثم قام بأداء اليمين الدستورية أمام الرئيس المستشار عدلي منصور. وفي أول تصريحاته الصحفية، أكد أنه سيسعى لإجراء تحقيقات موسعة بمعاونة أعضاء النيابة العامة، من أجل الانتهاء من جميع القضايا المفتوحة، وأضاف أنه يسأل الله أن يكون معه في تحمل المسئولية. خلال عمله كنائب عام أصدر قرارات كفض اعتصام رابعة وإحالة محمد مرسي إلى محكمة الجنايات والتحفظ على أموال عدد من القيادات الإسلامية. وكان آخر قرار اتخذه قبيل اغتياله هي أمره بحظر النشر في القضية 250 لسنة 2011 حصر أمن دولة عليا، وذلك على خلفية نشر بعض وسائل الإعلام عدداً من البلاغات المتعلقة بهذه القضية التي لم ترد فيها تحريات الأمن حتى الآن.
كان رحمه الله متزوجا وكانت زوجته تشغل منصب وكيل أول بالجهاز المركزى للمحاسبات سابقاً، وله ثلاثة أبناء بنتان وولد، الأولى حاصلة على بكالوريوس تجارة إنجليزي وتعمل بإحدى الشركات، وابنته الثانية كانت في النيابة العامة وتم تعيينها رئيسا لمحكمة ابتدائية مؤخرا"قبل 19 يوما من وفاته بقرار جمهوري"، ونجله الثالث محمد هشام بركات يعمل وكيلا في نيابة أمن الدولة.
شهود العيان فى حادث اغتيال المستشار هشام بركات بسيارة مفخخة فى شارع مصطفى مختار بمنطقة النزهة وهم من أصحاب المحال التجارية وحراس العقارات وسكان المنطقة، أفادوا أن موكب النائب العام يمر يومياً من شوارع سلمان الفارسى ومصطفى مختار وعمار بن ياسر عقب تحرك الموكب من أمام منزله قرابة الساعة 10 صباحاً، وفى يوم الحادث وبالتحديد فى الساعة 9 و55 دقيقة فوجئوا بسماع صوت انفجار هائل قبيل انتهاء شارع مصطفى مختار بقرابة 100 متر من شارع عمار بن ياسر، وأن دوى الانفجار أحدث حالة من الذعر لدى جميع سكان المنطقة, و أن الموجة التفجيرية التى أعقبت الانفجار امتدت إلى أكثر من 40 متراً فى الاتجاه الرأسى بينما امتدت شظايا الانفجار فى الاتجاه الأفقى إلى قرابة 80 متراً، وتصاعدت أعمدة الدخان وألسنة اللهب عقب استهداف موكب النائب العام من العديد من السيارات، وعندما أسرعوا إلى نقطة التفجير عقب مرور قرابة 5 دقائق بعد هدوء الموجة التفجيرية، شاهدوا المستشار هشام بركات مصاباً فى وجهه والدماء تسيل على جاكت بدلته، كما كانت الدماء تسيل من كتفه اليمنى، وأوضحوا أنهم شاركوا فى استخراجه من سيارته ونقله إلى سيارة أخرى وبعدها تحرك سائقه به إلى مستشفى النزهة الدولى لإسعافه. وأوضح الشهود أن النائب العام لم يكن فاقداً للوعى أثناء نقله من سيارته إلى سيارة أخرى، وأنه كان منتبهاً لما يحدث حوله حتي تم نقله لسيارة أخرى أحضرها أحد الأشخاص واستقلها سائقه الذى ساعدهم فى استخراجه من السيارة عقب الحادث.
وقال ناصر رفعت، سائق المستشار هشام بركات، فى تحقيقات نيابة النزهة، بإشراف المستشار محمد عبدالشافى، المحامى العام الأول لنيابات شرق القاهرة، إنه تحرك بالسيارة من أمام منزل النائب العام قبل الساعة العاشرة بقرابة 5 دقائق، وأوضح السائق أن قائد طاقم الحراسة كان يجلس بجانبه، وأصيب بإصابات طغيفة فى يده اليسرى وقدميه منعته من المشاركة فى استخراج النائب العام من السيارة، وتابع أنه نزل من السيارة وفتح الباب الخلفى بمعاونة المارة وأهالى المنطقة ونقل النائب العام إلى سيارة أخرى انطلق بها إلى مستشفى النزهة الدولى لإسعافه. وحول استفسار النيابة من السائق عن عدم إصابته فى التفجير الهائل، قال إن شظايا التفجير لم تكن مؤثرة فى المكان الذى كان يجلس فيه، لأنه نزل فى دواسة السيارة أثناء التفجير حتى انتهت الموجات التفجيرية، وبعدها أسرع فى الخروج للاطمئنان على النائب العام وإسعافه. وقال في حديث متلفز، أنه كان برفقة الشهيد لحظة وقوع الانفجار، وقام بإخراجه من السيارة، مؤكدًا أنه كان بحالة جيدة وخرج من السيارة عقب الانفجار مباشرة. وأضاف: "المستشار طلب مني أن أذهب به للمركز الطبي العالمي، إلا أنني رفضت ذلك لبعد المسافة، وفضلت نقله لمستشفى النزهة الدولي بسبب قربها من مكان الحادث".
http://www.elwatannews.com/news/details/761154
قال حاتم صفوت، أحد شهود العيان القاطنين بالقرب من منزل المستشار الشهيد هشام بركات، إنه رأى النائب العام الراحل يسير على قدميه عقب انفجار سيارته على يد الإرهابيين وأضاف صغوت، إن هناك بعض المارة أخذوا بركات إلى أحد الكافيهات لغسيل يديه ووجهه من الدم عقب الحادث الإرهابي. وتابع: " ومن نقل النائب العام هم أهله وأسرته الذين أخذوه من الكافيه".
http://www.elwatannews.com/news/details/761378
قال الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث باسم وزارة الصحة، إن النائب العام الشهيد المستشار هشام بركات كان واعيًا عقب الحادث، وطلب بنفسه الانتقال إلى مستشفى النزهة الدولي وكان درجة وعيه مرتفعة. وأضاف عبدالغفار، أن التحاليل المبدئية للنائب العام كانت جيدة، موضحا أنه كان يعاني من تجمع دموي وتهتك بالكبد ونزيف بالبطن.
كشفت التحقيقات الأولية مفاجأة مثيرة فى حادث اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات. تبين أن وفاة النائب العام لم تكن نتيجة اصابته فى الانفجار لكن عقب نزوله مسرعاً من سيارته المصفحة فدهسته سيارة كانت تقف متربصة لقتله. وتغيرت أفوال ناصر رفعت سائق الشهيد فجأة فى التحقيقات التى اجريت معه حول اغتيال «بركات» صباح الاثنين بميدان الحجاز بمنطقة مصر الجديدة، فقال: أنه فوجئ بمحاولة تفجير الموكب بواسطة سيارة مفخخة كانت تقف على جانب الطريق، وأن الانفجار اصابه ببعض الاصابات الخفيفة، وأضاف أنه خشى على حياة النائب العام فنزل من السيارة مسرعا متجها الىه لمساعدته على النزول من السيارة وكان مصابا ببعض الجروح إلا أنه نزل على رجليه، وقال «وبعد ذلك فوجئت بسيارة كبيرة اسرعت باتجاه النائب العام ودهسته فجريت مع الحارس لإنقاذ النائب العام الذى سقط أرضا وسط بركة من الدماء». وعن نوعية السيارة ورقمها اجاب السائق بأن السيارة فرت هاربة وسط حالة الفوضى التى احدثتها التفجيرات. وأكد أن النائب العام نزل من سيارته مترجلاً وذلك لاصاباته بجروح بسيطة اثر الانفجار، وطلب من الحارس الخاص به نقله الى المركز الطبى العالمى، إلا أنهم فوجئوا بسيارة مجهولة تصدمه ما تسبب فى قطع ذراعه وتهشيم عظام وجهه بالكامل، فقرر الحارس نقله إلى أقرب مستشفى لسرعة اسعافه وبالفعل تم نقله الى مستشفى النزهة الدولى وتوفى هناك عقب ساعة من وصوله. وأمرت النيابة بسرعة ضبط السيارة التى دهست النائب العام وتحديد رقمها وتفريغ جميع الكاميرات التى صورت الحادث. كما ناشدت النيابة المواطنين تقديم الفيديوهات التى صورها بهواتفهم لمساعدتهم فى تحديد هوية المتهمين وسرعة القبض عليهم.
من نصدق أفوال الشهود الذين رأو الشهيد واقفا علي رجليه بل نقلوه إلي مقهي حيث غسل وجهه ويديه, وحديث السائفق المتلفز الذي قال فيه أنه نقل الشهيد إلي سيارة أحد الجيران وهو كامل الوعي وقال له ودينيي للمستشغي العالمي, أم نصدق اكتشاف النيابة المذهل بأن شاحنة كانت متربصة. وإذا نظرنا إلي بانوراما المشهد بعد الحادت نجد أنه لا يوجد خرم ابرة تمرق منه شاحنة متربصة بعد دهس الشهيد. وإليكم صورة لمشهد المكان كاملا بعد التفجير, يليهه فيديو يصور لحظة التغجير واستحالة وجود شاحنة متربصة:
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/06/150629_egypt_state_prosecutor_bomb
http://www.elwatannews.com/news/details/761326
ثم يأتينا التقرير الطبي الذى يضحض حكاية الشاحنة المتربصة الوهمية التي اختارت أن تدهس الشهيد بمفرده وتترك الذين كانوا يعاونونه في الخروج من السيارة المحترقة وتمرق من خرم إبرة فيقول: أعلن المتحدث باسم الطب الشرعي أن سبب وفاة النائب العام:"هو تهتك في الأحشاء البطنية والصدرية ونزيف حاد في التجويف البطني والصدري" نتيجة الانفجار الذي استهدف موكبه صباح الاثنين. وأنهي التقرير بوجود كسور بالطرف العلوي الأيمن وكسر بالضلوع والأنف, ووجود تهتك بالأحشاء الصدرية والبطنية وما صاحبها من نزيف دموي وصدمة أدت إلي الوفاة, وهي إصابات ناتجة عن الموجة الإنفجارية والتخلخلية المصاحبة للتفجير.
وحتي تقرير الطب الشرعي الذي استبعد تماما مسألة الدهس المزعومة, لكته وضعنا أمام لغز: من المعلوم فيزيائيا أن الموجات التخلخلية تُحدِث أثرها فى محيطٍ دائرىٍ مركزه نقطة الانفجار، أى أن أثرها يظهر فى كل الموجوداتِ بمحيط تأثيرها، فكيف تُحدثُ أثرها القاتل بالنسبة إلى النائب العام وحده وتترك سائقه وحارسه اللذين كانا يستقلان معه ذات السيارة ؟ مسألة نحتاج إلي تفيسر
وفي النهاية نقول مات إتش وصعدت روحه عند بارئها وتم تشييع جنازته من مسجد المشير طنطاوي بالتجمع الخامس, وترك لنا ألغازا نعجز عن حلها حتي نعرف من قاتله, ويعن علي خاطري سؤال ساذج هل للقضية 250 التي أمر النائب العام بفتح ملفاتها دخل في ذلك ؟, أعتقد أنه ليس في المستقبل القريب يماط سر اغتياله.