لحظات قليلة تفرق بين الحياة والموت، الكل يصارع لإنقاذ نفسه أو أحد ذويه، هرولة وحركة سريعة في المياه النيلية، صدى الصراخ يدل على المعاناة، صراخ يستنجد أحد أن ينقذه من تلك اللحظات الفاصلة في حياته، التي قد لا يشعر بها المشاهدين للحدث على ضفاف النيل.
بعد اصطدام مركب رحلات نيلية تنقل بعض الأهالي بصندل نهري، وغرقها في النيل بمنطقة الوراق، لم تكن تلك الحادثة الأولى من نوعها، إذ إن عدد ضحايا الموت غرقا وصل عددهم إلى 372 ألف حالة وفاة في شتى أنحاء العالم حسب إحصائية منظمة الصحة العالمية لعام 2014.
ويشعر الإنسان ببعض الاضطرابات الجسدية خلال لحظات الغرق الأخيرة، وتنقسم تلك الحوادث إلى قسمين الأول هو الموت غرقا في المياه المالحة، والثاني في المياه العذبة.
الموت غرقا في المالح
هناك حالتين للموت غرقاً في المياه المالحة، الاولى آلية الغرق الجاف، ويقصد به الوفاة الناجمة بسبب توقف التنفس والقلب حيث تحدث تلك الآلية في حالات معينة، الأولى عندما يلمس الوجه خاصةً ذروة الأنف مع الماء أو الهواء البارد، فيحدث تشنّجات في أوعية الجلد والرئتين بتأثير الماء البارد أو الحار بدرجة لا يتوقعها أحد عندما يغمر جسمه الماء، ما يؤدي إلى تشنجات عضلية وتنفسية وبالتالي توقف القلب والتنفس.
وفي الحالة الثانية عند اصطدام العينين بالماء، يثار العصب مثلث التوائم "القحفي الخامس" ليتوقف القلب، وكذلك عندما تصطدم البطن بسطح الماء يثار العصب المبهم بشدة ويتوقف القلب، حسب ما قاله الطبيب الشرعي الدكتور فوزي صالح.
وعند استنشاق كمية كبيرة من الهواء قبل الغطس، فتشكّل ضغط زائد داخل الصدر، ما يؤدي إلى اضطرابات وعائية وتناقص واضطراب الوعي ثم فقدانه .
وعندما يثير دخول الماء البارد أقل من درجة حرارة 20، ولو بكميات قليلة إلى الحنجرة، يصيب العصب الحنجري العلوي مؤديا إلى تشنج الحبال الصوتية وتوقف التنفس والقلب، وحالة الأخيرة هو الخوف الشديد الذي يصيب الغارقين والذي قد يثير العصب المبهم ويؤدي إلى توقف القلب والتنفس.
والآلية الأخرى في حوادث الموت غرقا في المياه المالحة، هو الموت بالاختناق ويحدث نتيجة انسداد التنفس بالماء وله 6 حالات، في الحالة الأولى يحدث شهيق عميق لحظة تلامس الجسم بالماء البارد أو عندما تُرهق من السباحة فتبدأ بالغرق.
وبسبب توقف التنفس إراديا، يسعى الغريق لمنع دخول الماء من خلاله عبر فوهات التنفس أو زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون، فيحدث شهيق قسري عميق في الماء، يؤدي إلى دخول الماء للرئتين في الأوعية الدموية لدرجة أن حجم الماء يعادل حجم الماء في الأوعية.
الموت غرقا في المياه العذبة
يختلف الموت غرقا في المياه العذبة عن المياه المالحة، إذ تحدث الوفاة غالبا بسرعة خلال مدة لا تتجاوز الخمس دقائق نتيجة الرجفان البطيني الناجم عن الترقق الدم بالماء.
وبسؤال "صالح" عن سبب طفو الجثة فوق سطح الماء، قال "تطفو الجثة فوق سطح الماء عموما، نتيجة التفسخ الذي يجتاحها وبما يعني تخرب المواد العضوية والبروتينية منها في نسج وأعضاء الجثة مما يؤدي إلى تحللها وارتشافها ليبقى الهيكل العظمي، ويرتبط الغرق بعوامل عدة منها درجة حرارة الماء ووجود ثياب من عدمه وحجم الجسم والجنس، والجراثيم الهوائية اللاهوائية سواء داخل الجثة أو خارجها".
وتابع "الغرق هو انسداد المسالك الهوائية بالمياه لبضعة دقائق، إذ يمنع مرور الهواء وتنفس الأوكسجين ويؤدي إلى تراكم ثاني أكسيد الكربون الذي يؤدي إلى الوفاة".
واستطرد "نستطيع أن ننقذ الغارق في مدة زمنية من 5 إلى 10 دقائق على الأكثر وذلك في الظروف الاستثنائية ولكن في الظروف العادية هناك أناس قادرة على كتم أنفاسها والسباحة لمدة طويلة حتى تنجو".
أما بشأن كيفية إنقاذ الغارق، فقال "يجب أن تضع الغارق على بطنه وترفع قدميه من عند منطقة الظهر وبعد ذلك نضغط على صدره ونبدأ في عملية التنفس الصناعي من خلال الفم حتى يتحرك جهاز التنفسي وتُطرد المياه ليأخذ الأكسجين وضعه الطبيعي".
وأضاف "صالح" أنه يجب على من يتعرض للغرق ألا يشد أعصابه ولا يشنج يده أو رجله لأنه بذلك يستنفذ طاقة وأوكسجين سيحتاجهم، وسيساعده على أن يطفو على سطح المياه، ويجب أن يهدئ أعصابه مع أنه صعب إلا أنه مطلوب، وألا يخاف من الموت لأن هذا هو أهم عامل من عوامل الغرق التي تجعله يتنفس المياه.