الأقباط متحدون | البطالة والأمية والفقر..وراء انتشار ظاهرة الباعة الجائلين
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٥:٥٨ | الاثنين ١٦ اغسطس ٢٠١٠ | ١٠ مسري ١٧٢٦ ش | العدد ٢١١٦ السنة الخامسة
الأرشيف
شريط الأخبار

البطالة والأمية والفقر..وراء انتشار ظاهرة الباعة الجائلين

الاثنين ١٦ اغسطس ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

* أحد الباعة: لعب الأطفال التى أقوم ببيعها مُصنَّعة من المخلفات، وأنا أعلم جيدًا ضررها على الصحة، ولكن هذه هى النوعية التى يقبل عليها الناس؛ لرخص ثمنها.
* مسئول بأحد المحليات: يجب البحث عن حل لهذه المشكلة؛ حتى نستعيد الوجه الحضاري للشارع المصري.
* "مختار الشريف" الخبير الإقتصادى: المشكلة كبيرة وتحتاج إلى التنسيق فيما بين الجهات المختلفة.
 
تحقيق: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون 

إن احتياج الباعة الجائلين لقانون يحميهم من تعرض بضائعهم للمصادرة،  ويضمن لهم حياة كريمة، ويحميهم من تقلبات الزمن، بات أمرٌ ضروري، الأمر الذى جعل الدولة تقوم بإعداد قانون يكفل لهم بعض الحقوق، حيث تتعاون كل من المحليات وهيئة التأمين الصحى فى استخراج كارنية يحمل بيانات البائع الشخصية، ويُوفّر له التأمين الصحى فى حالة المرض، وذلك فى مقابل خمسون جنيهًا تُدفع شهرياً من قبل البائع.
 
"الأقباط متحدون" من جانبها، رأت أن تفتح هذا الملف الهام "الباعة الجائلين فى مصر"؛ لتسلط الضوء على مشاكلهم، وتقترب أكثر من معاناتهم، وتعرف سبب إقبال المستهلكين على بضاعتهم، والسبيل للحد من مشاكلهم.

مطاردة البلدية للباعة الجائلين
"أنا أبيع بضاعة نظيفة، لا أترك مخلفات خلفى، كما إننى أقف على احدى الأرصفة و لا أزعج أحدًا بوجودى، لكننى أستفيد من البيع والأرباح، وأفيد الناس من رخص أسعار البضاعة"...هذا ما أكدته "نعمة"- بائعة على احدى الأرصفة- وهى لا تعلم لماذا كل فترة تأتى البلدية وتأخذ البضاعة ولا تردها إليها؟!! إلا بعد دفع رسوم تُقدّر طبقًا للمساحة التى تشغلها من الرصيف، وفى أغلب الأحوال تكون حوالى مائة وخمسون جنيهًا. مشيرةً إلى أن هذ المبلغ كبير، وتضطر إلى دفعه، ومع ذلك تأخذ بضاعتها فى حالة يرثى لها؛ لأنه عند جمعها، لا يتم حصرها، بل تُجمع هى وبضائع أخرى بصورة عشوائية.
وتمنت "نعمة" أن يصدر القانون الذى يتم الحديث عنه؛ ليقيهم من العذاب الذى يواجهونه فى الشارع كل يوم.
 
خاب بيوت
أما "فاطمة"- سيدة فى الأربعينات من عمرها تعمل بالبيع منذ سنوات-  فترى أن ما سبق لا يمثّل المشكلة الوحيدة التى يعانى منها البائعون، بل المشكلة الأكبر من وجهة نظرها إنه تتم مصادرة البضاعة وعدم ردها لهم إلا بعد فترة زمنية طويلة، الأمر الذى يُعد بالنسبة لها "خراب بيوت"-على حد قولها؛ لأن هذه البضاعة هى رأس مالها، وبدونها لا تستطيع شراء أو بيع أى سلع..
وقالت "فاطمة": "احنا على باب الله، كل يوم برزقه، يعنى الأيام اللى ما فيهاش بيع ولا شراء تقدر تقولنا الحكومة ناكل منين؟ ولا نسرق يمكن السرقة أشرف من التجارة الحلال."!! مشيرةً إلى أنها مشتعدة لدفع خمسين جنيهًا فى الشهر مقابل عدم مصادرة بضاعتها.
 
ها نعيش منين؟
ها نعيش منين؟ سؤال طرحه عم "سيد"، ذلك الرجل المسن الذى يجلس على أحد الأرصفة لبيع بعض الخردوات مثل "المشط والأستك والمراية...الخ"..
 واستطرد قائلاً: "بالذمة البضاعة دى تساوى 120 جنيه علشان البلدية تطلب منى رسوم علشان ترجعها لى..."؟ مؤكدًا أنه كثيرًا ما يقوم بترك البضاعة للبلدية وشراء بضاعة أخرى؛ لأن تكلفة هذا بالنسبة له أرخص من دفع الرسوم، حيث يذهب إلى رصيف آخر ليجلس عليه بحثًا عن الرزق الحلال.
 
واعترض عم "سيد" على دفع الخمسين جنيه فى الشهر قائلاً: "هو أنا بكسب كام خمسين جنيه..مايسبونا فى حالنا بقى."
 
مُحبَط من حال البلد
أما "حسّان"- شاب يدرس بأحد المعاهد المتوسطة، وهو من أسرة فقيرة جدًا..يعمل طوال النهار فى بيع لعب الأطفال؛ لأن هذا هو السبيل الوحيد لإنهاء دراسته، والتطلع إلى مستقبل أفضل- فهو مُحبَط من حال البلد على حد قوله، ويسخر من فكرة مشروع قانون الباعة الجائلين الذى سمع عنه، ويتساءل: كيف سيخضعون بضائعنا للرقابة الصحية والبيئية ونحن نعلم تمامًا إنها بضاعة مُقلّدة وغير مطابقة للمواصفات، فلعب الأطفال التى أقوم ببيعها مُصنَّعة من المخلفات، وأنا أعلم جيدًا ضررها على الصحة، ولكن هذه هى النوعية التى يقبل عليها الناس؛ لرخص ثمنها. كما إنها النوعية الوحيدة التى أستطيع شرائها والإتجار بها...فهل ستعطينا الحكومة بضاعة جيدة؟ 
 
على قد لحافك مد رجليك
إن كل بائع فى حاجة إلى مشترى يُقبل على بضاعته ليستطيع الإستمرار فى تجارته، فتُرى ما هو سر إقبال بعض فئات الشعب المصرى على بضاعة هؤلاء الباعة الجائلين؟!!هذا ما حاولنا معرفته بسؤال بعض المستهلكين.
قالت "نعمات"- ربة منزل: أنها زوجة لعامل بسيط، ولها أربعة أولاد والرزق قليل، لذلك تقوم بشراء أشياء كثيرة من ضروريات الحياة من الباعة الجائلين لرخص ثمنها، مؤكدةً أنها بالفعل ليست جيدة، "لكن على قد لحافك مد رجليك" على حد قولها؛ كما أن هذا فى رأيها أفضل من حرمان أولادها من متطلباتهم التى لا تنتهى.
 
 الرخيص غالى..والغالى ثمنه فيه
"الرخيص غالى..والغالى ثمنه فيه"..هكذا قال "أحمد"- محاسب فى الأربعينات من عمره- مضيفًا أن لديه طفلان يخاف عليهما؛ لذلك لا يقوم بشراء أى احتياجات لهما من السلع الرديئة التى تُباع على الأرصفة، والتى تكون غير مطابقة للمواصفات، ولا يوجد لها ضمان، أو فاتورة، أو خدمة ما بعد البيع، وبالتالى فهى سلع لاتُعمِّر كثيرًا وتتلف سريعًا.
 
ووافقته فى الرأى "سما"- تعمل أخصائية إجتماعية فى العشرينات من عمرها- وعلى الرغم من إنها تعانى من إرتفاع الأسعار المبالغ فيه لجميع السلع على حد السواء، إلا أنها تفضل شراء إحتياجتها من محلات معروفة بفواتير وضمان، وذلك لكى تستطيع الحصول على خدمة ما بعد البيع، هذا وفى المقابل تفضل عدم شراء بعض السلع التى تحتاج إليها عن أن تشترى سلع تباع فوق الأرصفة مجهولة المصدر مصيرها سلة المهملات.
 
سر إقبال المستهلك على تلك البضاعة
وعن هذا حدثنا "ماجد أديب"- مدير المركز الوطنى لحقوق الإنسان- قائلًا:   فى البداية أحب أن أعرّف من هو البائع المتجول؟ هو ذلك الشخص الذى يقوم بعمليات تجارية بسيطة من شراء إلى بيع سلع رخيصة الثمن. ولكنها فى نفس الوقت تفتقد لمعايير الأمان وللمواصفات القياسية، وهذه السلع يكون الإتجار فيها مخالف للقانون؛ لأنها تندرج تحت مسمى الغش التجارى، وبهذا تفتقد هذه السلع لشروط الصحة والسلامة والأمان، ومع هذا فإن ظاهرة الباعة الجائلين منتشرة بصورة كبيرة جدًا فى جميع شوارع "مصر"، وذلك يرجع إلى عاملين:
 أولاً- إقبال المستهلك على تلك البضاعة على الرغم من علمه بعدم جودتها، إلا أن رخص ثمنها يدفعه إلى شراءها، خاصةً فى ظل الظروف الإقتصادية السيئة التى يعانى منها الغالبية العظمى من الشعب المصرى.
ثانيًا- البائعون الجائلون أنفسهم، والذين انتشروا بأعداد كبيرة تقارب الملايين. ولعل ذلك يرجع إلى انتشار البطالة وخاصة بين الشباب، والأمية وعدم إتقان أى مهنة أو حرفة، والفقر، وارتفاع الأسعار...كل هذا من شأنه أن يدفع بهؤلاء إلى مزاولة تلك التجارة البسيطة التى لا تتطلب رأس مال سوى مئات الجنيهات، والتى تدخل له رزقًا يقيه من شر الجوع والتشرد.
 
أين الوجه الحضارى للشارع المصري؟
وذكر مصدر مسئول فى المحليات- رفض ذكر اسمه- أن هذه القضية لها طرف ثالث بعيدًا عن البائع والمستهلك، وهو الجمهور المصرى المظلوم من الباعة الجائلين، والمشترين على حد السواء، والذى من حقه أن يسير فى الشوارع للوصول إلى أى مكان يريده. فليس من العدل أن تكون الشوارع مختنقة بالسيارات والمرور المزدحم فى كل مكان، والأرصفة مختنقة بالباعة الجائلين والمستهلكين الملتفين حول بضاعتهم. هذا إلى جانب الشجار والصياح الذى يُحدثه الباعة الجائلون أنفسهم، والضوضاء والتلوث السمعى الكبير الذى ينتج عنه. مؤكدة أن يجب البحث عن حل لهذه المشكلة، حتى نستعيد الوجه الحضاري للشارع المصري.
 
دولة نامية وضعيفة إقتصاديًا
من جانبه قال  الخبير الإقتصادى الدكتور "مختار الشريف": إن إصدار قانون للباعة الجائلين يتطلب وقتًا كبيرًا لإعداده، وموافقة مجلس الشعب عليه، إلا أنه يمكن القيام بالعديد من الإجراءات التى تحد من مشكلة هؤلاء البائعين، وذلك بالتعاون بين جميع الهيئات المنوطة بهذا الأمر، وعدم الإعتماد على جهة واحدة فقط؛ لأن المشكلة كبيرة وتحتاج إلى التنسيق فيما بين الجهات المختلفة، مشيرًا إلى أن نقابة العمال أنشأت شعبة جديدة بها للباعة الجائلين، وتطالبهم بالإنضمام إليها لحماية حقوقهم وتوفير التأمين الإجتماعى والصحى لهم.
 
اجراءات بسيطة للحد من المشكلة 
وأكد "الشريف": أن مشكلة الباعة الجائلين لا سبيل لإنهائها؛ لأننا دولة نامية وضعيفة إقتصاديًا، لذلك يجب أن نتخذ العديد من الإجراءات البسيطة لحل هذه المشكلة، منها:
- تخصيص أماكن للباعة فى الساحات والميادين المنتشرة.
- عمل أكشاك لهم يتم ترتيبها بصورة مدروسة وليست عشوائية؛ لكى نحافظ على التنسيق الجمالى للمكان.
- منح تراخيص لهم لمزاولة المهنة دون تعرضهم لأى مضايقات.
- أن يتم إخضاع بضاعتهم للرقابة الصحية والبيئية ولجهاز حماية المستهلك؛ للتأكد من صلاحيتها للإستخدام، وذلك للحفاظ على المستهلك من السلع المقادة والمغشوشة.
 
هذا بالإضافة إلى منع استخدام مكبرات الصوت أو المناداة على البضائع من قبل البائعين للحد من الضوضاء.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :