الأقباط متحدون | العلاّمة "أوريجانوس"- أوريجين 1-6
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٣:٥٣ | الجمعة ١٣ اغسطس ٢٠١٠ | ٧ مسري ١٧٢٦ ش | العدد ٢١١٣ السنة الخامسة
الأرشيف
شريط الأخبار

العلاّمة "أوريجانوس"- أوريجين 1-6

الجمعة ١٣ اغسطس ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

أشهر علماء اللاهوت في العالم.. شخصية محيرة
بقلم: لطيف شاكر
 قصدتُ أن أكتب عن شخصية عبقرية لم يَجُد التاريخ بمثلها بشهادة جميع الطوائف المسيحية العالمية؛ إضافة إلى كثير من العلماء المسلمين -كما سيرد بالمقالات الستة- وكما سأوضحه من المراجع الثمينة في نهاية المقال السادس.

 وفي الحقيقة كان قصدي من اختياري لهذه الشخصية العظيمة الآن هو تأففي من قراءة الأخبار السيئة التي ترد  يوميـًا من مصرنا الحبيبة, والتي تصيبني بالدوار، وربما بشيئ من الاكتئاب؛ ففضلت أن أهرب من ثقل الأخبار السقيمة إلى مجد قديم ينعش من نفوسنا المتعبة، ونسترد معه عافيتنا الروحية في رحاب سيرة شخصية  عظيمة أشاد بها العالم.

 ورغم ظلم الكثيرين له, إلا أنه احتمل آلام الظلم وأوجاعه بصبر القديسين االعظام من أجل فرح المجد الأبدي؛ فالظلم موجود مع الانسان منذ قتل "قايين" لأخيه "هابيل"، وسيظل إلى منتهى الأعوام ومرور الأيام.

 لم يكن "أوريجانوس".. ذلك العبقري الفذ هو أعظم قادة الفكر من المصريين وحدهم، ولا بين الأجانب المقيمين في مصر فحسب؛ بل كان أعظم أهل زمانه في كل بلاد الشرق والغرب أيضًا، حتى أنك لا تفتح كتابـًا أو دائرة معارف شرقية أو غربية إلا وتجد اسم "أوريجانوس" يحوطه الإعجاب والاحترام والتقدير العظيم، وهو يوصف عادة بأنه ألمع لاهوتي في زمانه، وقفز اسمه إلى قمة الشهرة التاريخية.

 يقول المتنيح "الأنبا اغريغوريوس"؛ أسقف التعليم والبحث العلمى:
 "لم تعرف المسيحيه فيلسوفـًا نابغـًا مثل "أوريجانوس" (أوريجين)، وكان أشهر عقلية مستنيرة في مصر وفي العالم المسيحي كله طوال عصوره المتعاقبة، وقد سار في قيادة مدرسة الإسكندرية على سياسة أستاذه "أكليمنضس".

 وُلد "أوريجانوس" حوالي عام 185 ميلاديه من أبوين مسيحيين مصريين تقيين، وكان يتمتع بذكاء خارق للعادة، وقدرة عجيبة على الاستذكار وصبر على الدرس والإطلاع، واستطاع في سن مبكر أن يستوعب قدرًا ضخمـًا من المعلومات؛ فألَمّ بالفلسفه والمنطق والهندسة والرياضيات والموسيقى والبلاغة، ولمقدرته العجيبة جمع بين معلومات المدرستين المسيحية والوثنية معـًا؛ فدرس على يدي القديس "أكلمنضس السكندري" في المدرسة المسيحية، وعلى يدي العالِم المرتد إلى الوثنية "أمونيوس السقاص"؛ رائد الفلسفة الأفلاطونية الحديثة.

 وفي سنة 202م، وهو في سن الثامنة عشر من عمره، سيق والده إلى الاستشهاد بسبب الإشهار بإيمانه المسيحي، ورفض الاعتراف بألهة الإمبراطور "سبتيموس سادرس"، وكاد "أوريجانوس" أن يلحق بوالده في الشهادة، إلا أن والدته حالت دون خروجه من المنزل ومنعته بكل الوسائل وأغلقت الأبواب عليه؛ لأنه العائل الوحيد بعد والده لإعالة الأسرة المكونة من الأم وستة إخوة.

 إلا أنه أمام توسلات أمه أرسل خطابـًا إلى والده يشجعه على الاستشهاد ويقول له: "أرجو ألا يغير العذاب رأيك.. فلا تهتم بأولادك؛ فإن الله المحب يعتني بنا"، وكان معتاد أن يرسل مثل هذه الخطابات للمسجونين والذين هم على ذمة الاستشهاد ليقويهم ويشجعهم.

 ولإيمان "أوريجانوس" وتقواه كان والده "ليومندس" يقبل صدره بعد أن يستغرق في النوم، معتبرًا أن روح الله ساكن في هيكل ابنه "أنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم"، وقد نال والده إكليل الشهادة، وتبعـًا لقوانين الدولة آنذاك صودرت أملاكه وأصبحت ضمن ممتلكات الحكومة، فباتت أرملته وأولاده الستة و"أوريجين" في فقر مدقع، وفي نفس الوقت أصبح مُكلفـًا بإعالة الأسرة وسد أعوازها.

جهاده واحتياجه
 لم يكن يشعر بضيق الحالة.. حيث سخرّت له العناية الإلهية امرأة غنية فاضلة كانت ملجأً لكثيرين من المنكوبين بسبب الاضطهاد؛ فاهتمت بـ"أوريجانوس" وأسرته وآوته ببيتها ولبث عندها طوال مدة الاضطهاد وهي تنفق على تعليمه، وبالرغم من عوزه واحتياجه الشديد إلا أنه فضّل أن يترك هذا البيت بسبب تبني صاحبة المنزل لمعلم هرطوقي استطاع أن يؤثر عليها ببلاغته، وسمحت له بنشر هرطقته بإلقاء محاضرته في بيتها؛ لأنه لا يجتمع النور مع الظلام.

 وعليه.. استطاع أن يجد عملاً يتناسب مع موهبته؛ فقام بتدريس العلوم المدنية لأبناء الأثرياء الوثنيين، مُستغلاً هذه الفرصة للشهادة للسيد "المسيح" قدر ما تسمح به الظروف، وتمكن فعلاً بسلوكه الطيب وأخلاقه المهذبة من أن يجتذب إلى "المسيح" عددًا من الوثنيين استشهد بعضهم على اسم "المسيح"، وتبوأ البعض أعلى المناصب العلمية والدينية مثل "هيراملاس" الذي صار بطريركـًا على "الإسكندرية" بعد أن كان رئيسًا للمدرسة اللاهوتية خلفـًا لـ"أوريجانوس".

عمادته لمدرسة الإسكندرية
 كانت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية مغلقة بسبب هروب أساتذتها من الأضطهاد، فاجتهد "البابا ديمتريوس" -الـ12 في تعداد البطاركة- في تشجيع الطلبة على الإيمان والعلم، وخصص لهم إعانات لحثهم على الدراسة، وعهد لـ"أوريجانوس" بتعليمهم العلوم الدينية والمدنية، وإعادة نشاط المدرسة التي لم يكن لها مبانٍ في ذلك الوقت، وكان عمره ثمانية عشر سنه فقط، وكان رئيسًاً لها، وهذه الوظيفه كانت تعتبر الأرقى بعد منصب البابا مباشرة، وغالبـًا كان يرشح رئيس المدرسة لكرسي البابوية كما حدث مع تلميذه "هيراملاس" و"دونسيوس"، اللذان كانا من تلاميذ "أوريجانوس"، واعتلوا كرسي البابوية تباعـًا بعد أن كان كلاً منهم يشغل رئاسة المدرسة.

 وبالرغم من هذا المركز الاجتماعي إلا أنه كان ناسكـًا متقشفـًا وزاهدًا في الحياة لدرجة متناهية؛ رافضًا جميع ما يُقدم له جزاء أتعابه رغم حاجته المادية الحرجة، وقسوته جدًا على جسده؛ فكان يقتات فقط بما يدرأ عنه ألم الجوع ولا يشرب سوى الماء، وكان يفترش الأرض دون فراش ويلبس ثوبـًا واحدًا، وينصرف طوال النهار في التعليم والدرس والأشغال المتعبة، ويقضي أكثر الليل في البحث والمطالعة والتأليف، ولفقره الشديد اضطر إلى بيع مكتبته الثمينة التي خطها بنفسه على ورق البردي لرجل وثني مقابل راتب يومي ضئيل جدًا يكاد أن يسد رمقه.

جرأته وشجاعته
 بسبب نبوغه المبكر وحجته الرائعة في الرد على الوثنيين، مما جعلهم حاقدين عليه ومغتاظين منه اختطفوه أثناء سيره للمدرسة، وذهبوا به إلى "هيكل سيرابيس" وحلقوا شعره وألبسوه لباس الكاهن الوثني ورفعوه إلى المنصة وأعطوه أغصانـًا ليوزعها على أعضاء الهيكل باسم الإله "سيرابيس"، وفي هذا المحفل الضخم لم يتورع أن يشهد باسم "المسيح"؛ فأخذ الأغصان وقام بتوزيعها على المجتمعين قائلاً: "خذوا هذه الأغصان لكن ليس باسم الأوثان... بل باسم الرب "يسوع" خالق الإنسان"؛ فهاج عليه الجميع محاولين قتله، ولكن لم تسمح العناية الإلهية بذلك ولاذ بالفرار من الهيكل.

لماذا خصى "أوريجانوس" نفسه؟؟
 كانت سمعته في الوعظ والتعليم وفصاحة لسانه لا نظير لها، وطفقت شهرته الآفاق؛ فالتف حوله الكثيرون من الرجال والنساء.. كبار وصغار ليسمعوا عظاته وشرحه للكتاب المقدس، وكان يضطر إلى عقد اجتماعات تقريبـًا يوميـًا، بعضها للرجال فقط والبعض الآخر للنساء؛ للرد على أسئلتهم وهو ما زال شابـًا يافعـًا وعميدًا لمدرسة الإسكندرية، والرجل الثاني بعد البطريرك.

 كل هذه الأمور مجتمعة؛ إضافة لحرصه على عفته وطهارته وعدم انشغاله بما يعوقه عن الخدمة، وخشيته من حيل إبليس الملتهبة نارًا، هداه فكره إلى تنفيذ حرفية الآيه التي تقول: "يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت الـله" (مت19:12)، حتى يتفرغ للعمل الروحي دون أي عوائق من الشيطان، وحتى لا يرشقه أعداؤه وحساده بسهام الاغتياب والنميمة، بالإضافة إلى رغبته في الكمال ولبلوغ القداسة، وقد سرى للبابا بهذا السر الخطير؛ الأمر الذي أدى إلى استياء البابا لهذا الفعل؛ لأنه يتنافى مع تعاليم الكتاب والكنيسة.

رحلاته واستشهاده
 قام "أوريجانوس" بعدة رحلات موفدًا من "البابا ديمتريوس" لحل المشاكل اللاهوتية أو للتصدي للهرطقات ودحض البدع التي نشأت في البلاد التي سافر إليها.

 ففي عام 612م زار "أوريجانوس" مدينة "روما" زيارة قصيرة، وكانت العلاقة بين الكنيسة القبطية والرومانية وطيدة، وكان يتبادلا العلماء والآراء والزيارات.

 ثم قام بعدة رحلات إلى بلاد العرب بناءًا على أوامر من حكامها للبطريرك، واشترك في المجامع العربية التي عُقدت بسبب التعاليم الخاطئة من الأسقف "بريلوس" الذي اعتبر أن الله أقنوم واحد فقط، وأن اللاهوت مات مع الناسوت، وقد استطاع "أوريجانوس" دحض البدعة وضم الأسقف إلى حضن الكنيسة مرة ثانية.

 وفي عام 216 نهب الإمبراطور "كاركلا" مدينة الإسكندرية، وأغلق مدارسها واضطهد معلميها وذبح بعضهم؛ فقرر "أوريجانوس" أن يذهب إلى "فلسطين" الأكثر أمانـًا؛ فرحب به تلاميذه وأصدقاؤه؛ "ألكسندر" أسقف أورشليم، و"ثيوكنسيوس" أسقف فلسطين، ودعياه لشرح الكتاب المقدس للشعب في حضرتهما، مما أغضب "البابا ديمتريوس" لأنه خالف تعاليم الكنيسة بتعليم الشعب وهو علماني في حضرة الأسقف، وأمره بالعودة إلى الإسكندرية، وأطاع "أوريجانوس" وعاد إلى الأسكندرية، وكانت الأمور تسير على ما يرام كطبيعتها.

 ومع بداية حكم "إسكندر" محب المسيحيين (222-225) طلبت "ماميا" -والدة الإمبراطور- استدعاء "أوريجانوس" الشهير إلى "أنطاكيا"؛ ليشرح لها التعاليم ويرد على بعض أسئلتها، وبالفعل ذهب إليها بناءًا على أوامر الإمبراطور.. مصحوبـًا بكتيبه أرسلت لهذا الشأن تكريمـًاً لمكانته.

 وفي آخر رحلة له أرسله البابا إلى اليونان لضرورة ملحة تتعلق ببعض شؤون الكنيسة، ودحض بدعة في "أخائية" التابعة لليونان، ومكث في بلاد اليونان لمدة سنتين بعيدًا عن الإسكندرية لحل المشاكل ودحض البدع ولنشر التعاليم المسيحية، وفي طريق عودته مرّ بفلسطين، وهناك انضم أسقف فلسطين مع أسقف أورشليم وأقنعاه برسامته كاهنـًا متبتلاً.. تفاديـًا لغضب "البابا ديمتريوس" بشأن عظاته وهو علماني.

 وبعد محاولات وافق على الرسامة حتى يتمكن له الوعظ وتفسير الكتاب المقدس لشعب فلسطين وأورشليم وهو كاهن، وفي حضور الأسقف كنظام الكنيسة الذي كان مُتبعـًا في ذلك الوقت، كما انتظره "ميلينايوس" أسقف "كبادوكيا" للحضور لإيبارشيته لتعليم الشعب، وحينما أبطأ "أوريجانوس" أسرع "ميلينايوس" إليه لسماع عظاته حتى لا تفوته الفرصة.

حرمه ومحاولة نفيه
 عاد "أوريجانوس" من مهمته التي أرسله إليها "البابا ديمتريوس" إلى الإسكندرية ليفاجأ بقرار المجمع الذي انعقد في غيابه بحرمه وإبعاده عن الإسكندرية، وإبطال كهنوته بسبب رسامته بيد أسقف لا يتبع البابا أو الكنيسة المرقسية، وخلعه من إدارة مدرسة الإسكندرية، وقد دعى "البابا ديمتريوس" لعقد مجمع محلي لنفي وحرم "أوريجانوس"، إلا أن المجمع ترضية للبابا وافقوا على الحرم دون النفي، وفي الحقيقة يؤكد كثير من المؤرخين "أن الحسد هو الذي حمل ديمتريوس إلى هذا كله".

 وقد صدر الحكم غيابيـًا وبدون عقد محاكمة له ليدافع عن التهم الموجهة له، وهو القادر أن يفند كل التهم ويبرهن على براءته بالحجة والبيان؛ لأنه لا يستطيع أحد أن ينازله أو يحاججه في أي أمر أو مشكلة؛ حتى سُمي بـ"الرجل الفولاذي"؛ (الماسي)؛ من أجل قوة حجته وصحة براهينه وفصاحة لسانه وغزارة علمه.

 ولم يكتفِ البابا بهذا بل شهّر به أمام كل أساقفة الشرق والغرب بقيامه بخصي نفسه، وكان هذا سرًا مكتومـًا بينهما، وتمكن من انتزاع موافقتهم على الحرم، وذلك تفاديـًا للنزاع والخلاف الذي قد ينشأ بسبب رفضهم، لاسيما وأنهم لم يسألوا عن المحاكمة واكتفوا بأدلة الاتهام الصادرة من مجمع كنيسة الإسكندرية و"البابا ديمتريوس".

 وبالرغم من موافقة كل الأساقفة بما فيهم أسقف روما، إلا أن أساقفة فلسطين وأورشليم والعرب وكبادوكيا رفضوا الحرم ودافعوا دفاعـًا مستميتـًا عن "أوريجانوس" وتعاليمه ومواقفه الشجاعة.

وهكذا تم حرم العلامة والفيلسوف "أوريجانوس" (العبقري) بيد البطريرك "ديمتريوس" (الكرام).




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :