وهب الله سبحانه بعض خلقه قلباً كبيراً محسناً يرى الحسنات ويتجاهل السيئات، ونفساً طيبة ذكية لا تعرف الجحود والكراهية وديدنها الحب والأمل والعفو! وإننى أعتقد أن الأستاذ نيوتن واحداً من أصحاب هذه القلوب والنفوس الكبيرة العالية. وتحت عنوان (لن نهدم قصر البارون) يحث الأستاذ نيوتن على البناء وليس الهدم، وعلى الحب بدلا من الحقد، وعلى التراحم ترفعاً عن التشفى! ولقد صفت نفسه ورقت وارتفعت إلى عنان السماء حتى إنه طالب بإعادة تمثال ديليسبس إلى قاعدته! وقد حفر ديليسبس حقاً وفعلا قناة السويس، ولكنه قام بتسخير 150 ألف مصرى اختطفهم من الحقول حيث هلك منهم أكثر من 100 ألف وكان أجر العامل يوميا 13 مليماً! وربما كان نيوتن هو الوحيد فى العالم الذى تكلم عن الخديو توفيق، ولا يذكر التاريخ له سوى أنه من استقبل الجنرال ويلسلى القائد الإنجليزى فى سبتمبر 1882 واصطحبه إلى قصر عابدين وبعدها استمر الاحتلال الإنجليزى فى مصر حتى عام 1954! هل يصدق الأستاذ نيوتن أن فضل نابليون بونابارت على مصر أكبر من فيرديناند ديليسبس، حيث إن الأول أيقظ مصر بمدافعه بعد سبات عميق استمر ستة قرون بين الأتراك والمماليك، كما أحضر معه المطبعة والعلماء والفنانين والرسامين غير أنه قتل عشرين ألف مصرى! هل يصدق الأستاذ نيوتن أن محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة كان يحفر الترع ويشيد الطرق بنظام السخرة! هل يصدق الأستاذ نيوتن أن اللورد كرومر حاكم مصر العتيد لمدة ربع قرن هو الذى ألغى نظام السخرة وهو أيضا من أعدم الفلاحين فى دنشواى فى 8 يونيو 1906! هل يصدق نيوتن أن أبا جهل العدو الأول للنبى عليه الصلاة والسلام كان عربياً كريماً عطاءً عادلاً ينصف المظلوم من الظالم! يا سيدى نيوتن إنه ليس جحوداً ولا نكراناً ولا تشفياً، لكننا نحن معظم المصريين بشر عاديون يكرهون ولا ينسون أبدا من احتقرهم وازدراهم وملأ حياتهم فساداً وتجاهلاً واحتقاراً عدة عقود، الشعب المصرى كله يكره نابليون وديليسبس وكرومر والخديو توفيق، وحتى لا تغضب منى لن أقول لك إن معظمهم يكره مبارك. وللمناسبة فسوف أروى لك قصة عن أبى جهل لعنة الله عليه حينما سقط على الأرض وجاء أحد الصحابة ليجتث عنقه رافعاً سيفه وقال له أبو جهل اقطعها من البطن حتى تبدو كبيرة! فهل من الممكن أن ننسى كفره وجاهليته وما فعله مع النبى لأنه كان كريماً شجاعاً عادلًا عقوداً طويلة فى الجاهلية.