بقلم: محمد بربر
منذ أنين يومه الأول، وبكاء هذا الطفل الرضيع بحثًا عن أمان حضن أمه، مرورًا بتعليم لا يرقى أن يكون في بلد تعبد الأصنام من دون الله، إلى رعاية صحية، وعناية أمهر أطباء "مصر"، ذلك إذا لم يكن أحدهم طبيبًا مزيفًا يستخدمك كفأر تجارب.
حتى تصل إلى محاولات مستميتة تبحث فيها عن شقة تليق بك أيها الفأر العظيم..تخيرك عروسك بين نعيم العيش الرغد معها، وشقة بالإيجار، ثم وأخيرًا...الموت.
رحلة يومية تمتد لسنين طويلة يعيشها المواطن فى "مصر" المنسية، لا تمهله لحظة حتى حين الرحيل. وكأن سلاطين هذا الزمان قد أقسموا- ورأسهم وألف سيف- أن تعمق الهوة بين الفقراء والأغنياء حتى في الموت.
في المقارنة بين موت أغنياء "مصر" المحروسة، ورحيل البسطاء، تجد ما يضحكك وما يبكيك. تخيل أيها المواطن العزيز أن سعر المقبرة الواحدة فى المناطق الراقية مثل الكريمة "مصر الجديدة"، والتراب المقدس في أحياء "الزمالك" تبدأ من أربعين ألف جنيه، وتصل إلى أكثر من مائتي ألف جنيه..
ناهيك عما يفعله الأثرياء حين يجعلون من مقابرهم فنادق عالمية تستهوى الأنفس، وتأخذ العقول والقلوب. سيراميك فاخر، وسجاجيد مزخرفة، وأشجار العنب والزيتون..ناهيك عن التكييف والإستراحة التي نراها في مدافن الناس الأبهة.
بوابات تُصمَّم على أحدث طراز من الرخام والزجاج، وتبدأ البوابة الواحدة من سعر سبعين ألف جنيه، وتصل إلى ملايين الجنيهات.
وفى "مصر" المنسية، هناك مدافن الفقراء أيضًا. عزاء الفقير أن الجميع يتساوى فى التراب، أرقام مفزعة، وفوارق فى "مصر" المنسية تنذر بكارثة...ونظرة واحدة إلى زيادة معدل الجريمة بين الفقراء تجاه الأغنياء كفيلة بأن نطلب الستر حين نموت.