مدينة بازل بسويسرا هى ملتقى نهايات حدود ثلاث دول: سويسرا وألمانيا وفرنسا، وهى أيضاً ملتقى نهايات حدود صناعة الدواء فى العالم، تحس أن كل ذرة أوكسيجين فى هذه المدينة الجميلة تتنفس علم الصيدلة بدقته وإبداعه وعطائه، كان غرض الزيارة الأساسى بحكم التخصص هو التعرف على أحدث علاج لمرض الصدفية، هذا المرض السخيف المؤرق المزمن الذى يسبب اكتئاباً وإحباطاً وخجلاً شديداً للمريض الذى تتساقط القشور السمكية من جلده الأحمر الملتهب، والتى يصحبها أحياناً التهاب مفاصل رهيب ينتهى بالإعاقة، حقنة الكوزنتكس التى ابتكرتها شركة «نوفارتس»، والتى صارت حديث المحافل العلمية فى مؤتمرات الأمراض الجلدية، والتى تعالَج بها الآن نجمتنا وفنانتنا الجميلة نجلاء فتحى. شاهدت مراحل صناعة هذه الحقنة الثورة وأيضاً الأدوية البيولوجية هناك، قمة التكنولوجيا والانضباط، كله بالكمبيوتر،
بداية من الخلية المستخلصة من الفأر وكيف يتم تكاثرها وتنميتها وإجراء التجارب عليها حتى خروج الدواء إلى النور، أبحاث تتكلف المليارات لكى يخرج إليك الدواء البيولوجى الذى دخلنا حقبته منذ فترة ويجب أن نستعد لها، لأننا إذا وقفنا محلك سر وظللنا على موقفنا العبثى الرافض لإجراء المرحلة الثالثة السريرية على مرضانا والطنطنة بالكلام الفارغ الذى نردده للاستهلاك الإعلامى المحلى من قبيل أننا لسنا فئران تجارب لشركات الأدوية العالمية إلى آخر هذه الثرثرة الفارغة، إذا ظللنا نعيش هذا الوهم ونردد هذه الأساطير فسيدخل العالم مرحلة الأدوية البيولوجية وعقاقير الهندسة الوراثية ويتركنا نعيش فى كهفنا المزمن، متخيلين أن العالم يتآمر علينا!! المهم خرجت من تخصصى الضيق إلى حيث آفاق العلم الرحب بتخصصات الطب المختلفة، تعرفت هناك- من خلال ندوة كبيرة فى مقر الشركة حضر فيها جميع المهتمين بالإعلام الطبى فى العالم من جميع الجنسيات- على أحدث الابتكارات من أجل المرضى والتى كانت أيضاً عنوان الملتقى، ما جذب نظرى أكثر من مضمون الكلام المهم بالطبع هو روح الحماس والتصميم والعناد من أجل صحة أفضل للمريض وحياة أكثر بهجة للبشر، بوتقة حب وتسامح وتناغم ضمت مدير التطوير الهندى مع المهندس الكولومبى مع الطبيب المصرى مع الصيدلى السويسرى مع المسؤول الأمريكى، الجميع لا يعرفون ولا يتطلعون إلا إلى هدف واحد، هو الانتصار على المرض،
شاهدت ابتكارات «ألكون» للعيون بالمشاركة مع شركة جوجل فى ابتكار عدسة تقيس نسبة السكر وتقى المريض شر ضمور العصب البصرى ودمار الشبكية من هذا المرض، عدسة تقود الأعمى من خلال «جى. بى. إس»، كيف تطورت العدسات المزروعة للكاتاركت وصارت أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع عدم القدرة على القراءة فى سن الشيخوخة، اطلعنا على آخر الأبحاث فى مجال الجلوكوما سارق البصر، والذى لابد أن نهتم بعمل حملة إعلامية كبيرة لتوعية الناس به، كنت مهتماً بآخر ما توصل إليه العلم فى مجال مرض «إم. إس» أو «التصلب المتعدد» الذى يصيب الشباب للأسف، ومنهم بعض الأصدقاء، ويحتاج تشخيصه إلى خبرة خاصة، وعلاجه مكلف، وأتمنى أن يتحمله التأمين الصحى عندنا فى مصر بالكامل، إنقاذاً لهؤلاء المنكوبين بهذا المرض العضال القاسى، تحدث الأطباء عن عنصر مُهمَل فى العلاج، وهو عنصر انكماش المخ فى مرض «التصلب المتعدد»، والذى لابد أن ينتبه لعلاجه الأطباء المتخصصون، الذين يركزون غالباً على المظاهر الخارجية وينسون هذا الانكماش، أما التقدم والابتكار الذى حدث فى مجال الأدوية المعالجة للأورام فقد فاق الحدود وحدثت فيه قفزات رهيبة، خاصة فى العلاج الموجه الذى يصيب خلية الورم تحديداً دون الخلية السليمة، وعرفنا أخباراً سارة عن تعاون الشركة مع باحثين مصريين على سرطان الكبد الذى له خصوصية مصرية من حيث السبب والانتشار. تغيرت فلسفة العلاج، فقد كانت الأدوية القديمة مثل القنبلة الذرية التى نطلقها على نسر جارح لكى نقضى عليه، فنحطم المدينة بالكامل ونحولها إلى أطلال!! أما مجال الأدوية التى تُتناوَل بعد جراحات زرع الأعضاء فقد ساهم بشكل رائع وعظيم فى نجاح تلك الجراحات وعدم رفض جسم المريض لها.
إنها ثقافة حب الحياة التى لابد أن نتعلمها، فالحياة تستحق أن تعاش بدون ألم وبدون عذاب، فالعلم يد حانية تطبطب على البشر، وقارب نجاة يعبر بنا لشاطئ الأمل، العلم بلسم لجراح وكفكفة لدموع وحلم بعالم أكثر جمالاً وأقل قبحاً.
نقلا عن المصري اليوم