غرقت البلاد فى طوفان من المخدرات والعقاقير المخدرة المهربة من الخارج خلال الانفلات الأمنى الذى أعقب ثورة 25 يناير، وبذلت الأجهزة الأمنية جهوداً مضنية للتصدى لعمليات التهريب، وفى هذا السياق كانت القضية التى تحمل رقم 155311 جنح دمياط تتعلق بإحباط تهريب 18 مليون قرص مخدر عبر ميناء دمياط.
وكشفت القضية عن مفاجآت أبرزها تورط قيادى بجماعة الإخوان، يُدعى عبدالحميد، فى تهريب الشحنة عبر ميناء دمياط بعد جلبها من الهند بمعرفة رجل أعمال هندى يهودى وحُكم عليهما مع 6 آخرين بالسجن 10 سنوات.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الوطن» إن قيادياً بارزاً بجماعة الإخوان الإرهابية، محكوماً عليه حالياً بالسجن المؤبد، حاول تخليص زميله من القضية وأجرى اتصالات بقيادات أمنية للتلاعب فى التحريات ومحاضر الضبط، لكنها رفضت، وحرّكت الدعوى ضد المتهم الذى تبين أنه زوّر توقيعات صاحب شركة أخرى لتوريطه فى القضية، واكتُشف التزوير فيما بعد، كما حاول نفس القيادى النيل من الضابط الذى ضبط الواقعة بكل السبل دون جدوى.
التفاصيل كما جاءت فى أوراق القضية تعود لشهر نوفمبر عام 2011، عندما ضُبطت حاوية تحمل رقم «60151511/ f s c u»، واردة من دولة الهند فى ميناء دمياط قبل أن تكمل رحلتها إلى ميناء الدخيلة البحرى باسم إحدى شركات الاستيراد والتصدير، والمستندات الخاصة بالحاوية تقرر أن المحتوى أكياس بلاستيكية، وبتفتيش الحاوية عُثر على كميات ضخمة من عقار الترامادول المخدر تُقدر بحوالى 18 مليون قرص وتحرر المحضر رقم «1553 ج م» دمياط لسنة 2011.
الشحنة المضبوطة من أقراص الترامادول
تولت نيابة مركز دمياط التحقيق برئاسة محمد عبداللطيف مدير النيابة، وعضوية محمد فؤاد وكيل أول النيابة، وتوصلت التحريات المبدئية للعقيد الدكتور عبدالوهاب الراعى، رئيس الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، بالاشتراك مع معاونه الرائد هانى صلاح، أن وراء تلك الشحنة تشكيلاً عصابياً، وأن رجل الأعمال مالك الشركة الواردة بالمستندات حسن النية ولا يعلم بالحاوية وأن شركة الاستيراد والتصدير المحددة بالأوراق هى شركة وهمية، فى حين قرر كل من العقيد «محمد. ا»، رئيس مباحث أمن الموانئ بميناء دمياط فى ذلك الوقت، وأحد مفتشى الجمارك بميناء دمياط بالتحقيقات قيام شركة الاستيراد والتصدير المذكورة بمستندات الحاوية بإخفاء وتهريب المضبوطات.
عاودت النيابة العامة سؤال العقيد عبدالوهاب الراعى الذى استمر على أقواله السابقة، وأضاف أن تحرياته النهائية بالاشتراك مع العقيد سعيد رمضان بإدارة العمليات بعد نحو 7 شهور من الواقعة توصلت إلى تحديد شخصيات تشكيل عصابى دولى يضم 6 مصريين وآخر هندى الجنسية، هم، «م. ح. ع»، مستخلص جمركى مقيم بحلوان يبلغ من العمر 49 سنة، و«ع. ى. ع»، مستخلص جمركى ومقيم بالإسكندرية يبلغ من العمر 45 سنة، و«ا. م. ا» موظف ومقيم بالإسكندرية يبلغ من العمر 44 سنة، و«ا. ص. ك» رجل أعمال يقيم فى القاهرة يبلغ من العمر 44 سنة، و«ر. ع. ح» رجل أعمال يقيم فى القاهرة، و«م. ق. ا» مدير تجارى ومقيم بمدينة العبور يبلغ من العمر 41 سنة، بالاشتراك مع شركة استيراد وتصدير بدولة الهند ملك «ب. ا. ك. م» هندى الجنسية.
وتبين الاشتراك بطريق الاتفاق والمساعدة والتحريض فى تزوير محرر عرفى منسوب صدوره إلى «ح. م. ح» رجل أعمال صاحب شركة لدباغة الجلود دون علمه واستخدام منظومة تعمل طابعتها بتقنية عالية واستخدام طريق التحايل المستندى بجلب حاوية عقار الترامادول المخدر محل الضبط، وأرفق الضابط الدلائل المستندية والفنية المؤيدة لتحرياته.
نقل رئيس مباحث دمياط وقت القضية بعد أنباء عن وجود علاقة بينه وبين التنظيم الإرهابى.. و6 متهمين وهندى حاولوا إدخال 18 مليون قرص ترامادول
وأضاف أن المتهمين وزعوا الأدوار عليهم فى سبيل إنهاء جريمتهم عبر النسخ الاحترافى والتصوير الإلكترونى لأوراق وتوقيعات رجل الأعمال حسن النية، نظراً لما تتمتع به شركاته من تكرار استيراد حاويات لبضائع مشروعة عبر الموانئ، واستغلوا ذلك كوسيلة للتهريب وصعوبة كشفهم وإقامة الدليل ضدهم حال ضبط الحاوى، خاصة أن أحد المتهمين يعمل مستخلصاً لإنهاء إجراءات تصدير واستيراد لشركته فى النشاط المشروع.
واستغل أحد المتهمين، تبين انتماؤه لتنظيم الإخوان الإرهابى، التفويض الصادر من رجل الأعمال المخدوع فى إنهاء أعمال جمركية مشروعة وبنسخ إلكترونية أرفقها على مستندات شحنة المخدرات على غير الحقيقة، وأضاف: «أسلوب إجرامى احترافى يقوم به مهربو العقاقير المخدرة وأعوانهم من الفاسدين، يستغلون فيه الخلاف القائم بين رجل الأعمال وآخر فى وضع بيانات وأرقام تليفونات كل منهما على مستندات شحنة الترامادول لمزيد من التمويه وصعوبة كشفهم».
ولأول مرة فى تحقيقات النيابة العامة يطالب ضابط، المشرع وأجهزة الدولة المعنية ضرورة التدخل لتعديل قوانين الجمارك والمخدرات والإجراءات الإدارية المرتبطة بالتوكيلات الملاحية لسد الثغرات القانونية والإدارية أمام المهربين وأعوانهم التى تساعد جهات الضبط فى سرعة إقامة الدليل ضد المخالفين وعدم ظلم أبرياء.
وبعد تحقيقات استمرت نحو 3 سنوات بالنيابة العامة اشترك فيها محمد عبدالطيف، مدير نيابة مركز دمياط، ومحمد فؤاد، وكيل أول النيابة، والمستشارون أحمد شتا، ومحمد غنيم، ومؤمن محمد رؤساء نيابة الاستئناف بالمنصورة، والمستشار أحمد الشربينى، رئيس المكتب الفنى للنائب العام، سئل خلالها نحو 32 شاهداً من ضباط شرطة، ومفتشى الجمارك، والتوكيلات الملاحية، وشركات الحاويات، والبنوك المعنية، وأعضاء لجنة أبحاث التزييف والتزوير المحال إليهم المستندات التى ثبت تزويرها.. قرر المستشار هشام بركات النائب العام، قبل استشهاده، إحالة كل أفراد التشكيل العصابى الدولى إلى المحاكمة بتهم جلب عقاقير مخدرة وتهريب بضائع وتزوير محررات عرفية منسوبة لآخر والإدلاء ببيانات غير صحيحة.
وجرت المحاكمة على مدار عدة جلسات أمام محكمة جنح مركز دمياط التى أصدرت حكمها حضورياً على المتهمين من الأول للثالث وغيابياً على الباقين بمعاقبتهم بالحبس لمدة 10 سنوات مع الشغل وغرامة 5000 جنيه، ومصادرة المواد المضبوطة، وإلزام المتهمين من الأول إلى السادس بأن يؤدوا للمدعى بالحق المدنى مبلغ 27 مليوناً و306 آلاف و480 جنيهاً تعويضاً نهائياً ومصادرة المحررات المذكورة والبضائع موضوع التهريب.
ورصدت الأجهزة، خلال التحقيقات، محاولة أحد قيادات تنظيم الإخوان الإرهابى التأثير على التحقيقات بالقضية والنيل من ضابط مكافحة المخدرات بالتنسيق مع آخرين.
وصدر قرار وزير الداخلية باستبعاد رئيس مباحث ميناء دمياط فى ذلك الوقت من أعمال المباحث ونقله إلى مديرية أمن المنوفية لوجود شبهة حول علاقته بالإخوان، وذلك بموجب القرار رقم 2937 لسنة 2013 والصادر بتاريخ 8 ديسمبر من عام 2013 لثبوت علاقته بالجماعة.