الأقباط متحدون - العدالة الناجزة لا تعنى الانتقام!
أخر تحديث ١٥:١٧ | الاثنين ٦ يوليو ٢٠١٥ | ٢٩بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٦١٣السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

العدالة الناجزة لا تعنى الانتقام!

بقلم منير بشاى
عقب العملية الارهابية البشعة التى ادت الى استشهاد النائب العام المستشار هشام بركات هبت على مصر عاصفة عارمة من الغضب لا تريد غير الدم ولا تقبل حلا الا الانتقام.  اخذنا نسمع اصواتا تطالب بالمحاكمات العسكرية السريعة والتنفيذ الفورى للأحكام.  وهناك من نادى بأن تتحول الميادين العامة الى ساحات تعلق فيها المقاصل لشنق الإرهابيين او أن ينفذ فيهم القتل رميا بالرصاص على مرأى الجميع.
 
هذه المشاعر مفهومة وليس هدف المقال الاستخفاف بها.  فقد وصل الارهاب الى مداه عندما تجرأ ومد يده الى النائب العام الذى هو رمز العدالة وممثل الشعب وحامى حقوقه القانونية.  وشخصيا انا سعيد ان ارى مشاعر الغضب تحل محل التهاون والتفريط بل وغياب العدالة فى بعض الاحيان خاصة عندما يطال الارهاب فصيلا لا يحظى بالاهتمام الكافى وهم الأقباط.
فكم عانى الاقباط من جرائم قتلهم وحرق كنائسهم و التهجير من بلادهم ووضع اليد على اراضيهم وخطف بناتهم وبنيهم بينما لا تحرك السلطات ساكنا.  وقد رصد التحالف المصرى لحقوق الانسان والتنمية العمليات الارهابية التى استهدفت الاقباط ما بين 30 يونيو 2013 ومايو 2015 وشملت 149 ضحية و 125 اصابة و 24 حالة قتل.  الارهاب يحدث ليس فقط عندما يهدد الدولة ولكن عندما يهدد امن المواطن البسيط،  ومكافحة الارهاب يجب ان يشملهم ايضا.
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه: هل هدفنا من محاربة الارهاب هو العدالة ام الانتقام؟ وهل ما نريده هو تحقيق الامن ام التشفى؟
لا شك ان من يرتكب اعمالا ارهابية يقوم بعمل اجرامى يفتقر الى ابسط قواعد العدل.  فالارهابى ينصب نفسه قاضيا وجلادا فيصدر الحكم كما يترائى له وينفذه دون مراعاة لما اذا كان الضحايا ابرياء من التهم التى قامت العملية الارهابية بسببها.  هذا يحدث على مستوى الجماعات الارهابية وهو متوقع منهم فهم لا ضمير لهم ولا اخلاق.
ولكن ان تواجه الدولة الظلم الارهابى من هذه الجماعات بظلم مقابل فهو ايضا مرفوض.  الدولة لها اساليبها التى تختلف عن اساليب البلطجية وكاسرى القانون.  الدولة تحمى حقوق الجميع حتى القتلة والمجرمين.  وحماية الحقوق ليس معناها ان تتساهل معهم وتترك لهم العنان دون ردع.  دور الدولة ان تضمن للمواطنين محاكمة عادلة وعقوبة تتمشى مع حجم الجريمة.
 
من الطبيعى ان يكون هناك محاولات استباقية لوأد الارهاب قبل حدوثه.  ومن الطبيعى ان تحدث عمليات عسكرية على اوكارهم وان يكون هناك اشتباكات معهم.  نحن فى مصر بل العالم كله فى حرب مع الارهاب.  والحرب لها اساليبها، ومن يستعمل السلاح ليقتل الآخرين ويهدد السلام فى المجتمع عليه ان يعلم انه هو ايضا قد يتعرض للقتل خلال اشتباكه مع قوات الأمن.  وفى الحروب يباح القتل بين الاطراف المتحاربة لأنك امام محارب مسلح سيقتلك ان لم تقتله.  ولكن عندما تحدث عملية القبض على احياء من المشتبه فى تورطهم فى الارهاب او تمويله او التخابر لصالحه او التستر عليه او التمكين له فان هؤلاء يجب ان يحاكموا للتثبت من ارتكابهم للجريمة ثم يطبق عليهم بنود القانون التى تتمشى مع حالتهم.
 
فى حديث الرئيس السيسى بعد اغتيال الشهيد هشام بركات، قال الرئيس لأسرة الشهيد ان يد العدالة كانت مغلولة بسبب الاجراءات التى ينص عليها القانون والتى تقف حائلا دون المحاكمة الناجزة للارهابيين.  آسف يا سيادة الرئيس.  هل كنتم تعلمون بهذا وتسكتون عليه؟  وهل يحتاج الامر الى اغتيال رمز فى حجم النائب العام حتى تتحركوا وتحاولوا اصلاح القانون؟
سمعنا بعد حدوث المأساة عن اجراءات مطولة يحتم عليها القانون لمن يستحق عقوبة الاعدام.  فقد تستغرق اجراءات تنفيذ الحكم فى قاتل طيلة عشرة سنوات.  وخرج علينا رجال القانون باقتراحات لالغاء الاجراءات المكررة او التى تجبر القاضى الى اعادة المحاكمات مرة ومرات دون مبرر.  وسمعنا عن وجود ثغرات فى القانون يستخدمها الدفاع للمماطلة او للحصول على البراءة دون وجه حق.
 
هذه امور يجب علاجها فى اقرب فرصة.  ان كانت الاجراءات طويلة يجب تقصيرها دون المساس بحقوق المتهم.  وان كانت العقوبات مخففة يجب تغليظها بما يتناسب مع حجم الجريمة.  ولكن الكلام عن المحاكمات بالجملة او الاحكام المبالغ فيها فلا مكان لها فى دولة العدل والقانون.  واذا قيل انه مادام المجرمون لم يعطوا ضحاياهم ابسط حقوقهم فى الحياة فلماذا نعطيهم نحن حقوقهم؟  والجواب واضح وهو ان الدول لا تتصرف كما تفعل العصابات.
هذا يخدم مصالح الوطن والمواطن.  فأى مواطن برىء قد يجد نفسه بكيفية او اخرى مقبوضا عليه بدون وجه حق لأنه تصادف وجوده فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ.  مثل هذا المواطن يريد محاكمة عادلة تبرىء ساحته.  قد يكون هذا المواطن انت او انا، فالاخطاء غير المقصودة واردة، والقضاء مفروض انه يفصل فى هذه الامور ويعطى كل ذى حق حقه.
 
وهذا يخدم اجراءات مكافحة الارهاب نفسه.  فالقسوة الزائدة على من ارتكب اعمالا غير قانونية لا تساعد على وأد الجريمة بل قد تزيدها.  الانتقام يولد الانتقام، والقسوة تولد الاحساس بالظلم وينتج عنها ردود افعال من نفس النوع.
 
ولا يجب ان ننسى اننا نعيش فى عالم متشابك وفى الوقت الذى نطلب استقلالنا ونرفض تدخل الاجنبى فى شئوننا، ولكن سواء اردنا او لم نرد، فان قضايا حقوق الانسان اصبحت شأنا عالميا ولن نستطيع ان نمنع انتقادات الاخرين لنا اذا خالفنا احكامها التى اقرها المجتمع الدولى.
العدالة الناجزة هى صرخة كل مصرى فى هذه الايام.  العقاب بكل قوة القانون ضد من يرتكب الجرائم مطلوب ولكن الانتقام مرفوض لأنه ليس من شيمة الدول المتحضرة المحترمة.  تنفيذ القانون بحزم وحسم وبدون مهادنة او تهاون يجب ان يكون وحده رادعا بما فيه الكفاية.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter