الأقباط متحدون - بل هى الحرب فعلا.. لكن لماذا؟
أخر تحديث ٠٩:٢٤ | الأحد ٥ يوليو ٢٠١٥ | ٢٨بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٦١٢السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

بل هى الحرب فعلا.. لكن لماذا؟

عمرو الزنط
عمرو الزنط

مصر فى حالة حرب.. هذا «الكليشيه» حقيقى لحد كبير، ونتيجة تلك الحرب لها تأثير ينعكس على حياة المواطن الذى يرمى لخوض حياة «عادية» يسودها الاستقرار والطمأنينة على مستقبله ومستقبل المقربين إليه. لكن من هم الأعداء بالضبط فى تلك الحرب؟ من الطبيعى الكلام هنا عن الـ«جماعة» والإرهابيين، لكن هناك أيضا أعداء من داخل ما يسمى بجهاز الدولة، ففى هذه الحرب العدو له دوافع وأذرعه متعددة.

أولا أعتبر أننا فى حرب من نوع ما ضد ضباط الداخلية الذين اعتبروا أنفسهم جماعة «أمر بالمعروف والتنكيل بالمنكر».. فى التجمع الخامس مثلا، عندما قبضوا على بعض الأفراد، وفيما يبدو بطريقة عنيفة لا تراعى الآدمية، بتهمة ما يسمى بـ«الجهار بالإفطار». صحيح أن مساعد وزير الداخلية نفى هذا الخبر، لكنه لم يشرح أصل الصور المذلة للآدمية، والتى أتت فى وقت كان من المفترض عقلانياً أن تكون قوات الأمن منشغلة بأمور أخرى أكثر حيوية.

ونحن فى حرب أيضا ضد وزارة الأوقاف التى أعلنت عن «حملة» لمناهضة البهائية خلال الأسبوع الماضى: نعم فى مجمتع يجد نفسه على حافة الانهيار بسبب الفهم والاستخدام المخزى للإسلام، فى بلد يكاد يتفكك ويتحلل وينهار لهذا السبب، نجد وزارة الأوقاف تعد نفسها لمحاربة البهائيين، رغم أن عددهم محدود جدا والدمار الذى لحق بالمجتمع المصرى (وبالعالم عامة) نتيجة اعتقاداتهم معدوم بالكامل. أين الحملة الفكرية ضد «داعش» والـ«ولاية» أو «المقدس» وإخوانهم؟ لو كانت أجهزة الدين الرسمى لا تعتقد أن مثل هذه الحملة من واجباتها، ربما لأنه دور المثقفين المستقلين، لكان ذلك منطقيا، بشرط ألا يكون من واجباتها، أو من واجبات الأزهر التنكيل بالمعتقدات الأخرى.

مثلا، مثلما حدث فى مسألة نشر «مجلة الأزهر» فى شهر يونيو الماضى ترجمة لكتاب «جمع شهادات لمستشرقين غربيين عن الإسلام تحت اسم: دراسات غربية تشهد لتراث الإسلام»، أعده للنشر عضو هيئة كبار العلماء رئيس تحرير المجلة السابق محمد عمارة الذى ثار جدل فى شأن انتماءاته السياسية (الحياة، ٢٧/٦/ ٢٠١٥). وفيما يبدو أن بعض تلك الترجمات فيها ما يسىء للمسيحية. وما يزيد من الإساة وجود مقالة تشرح النهج الكئيب، كتبها الأستاذ عمارة، والتى حددت هذا الاتجاه العدوانى وفسرته وشرحته للقارئ حتى يستوعب الدرس كاملا.. «الحياة» مرة أخرى: الكتاب يقع فى 232 صفحة، وفيه باب عن «عوامل تفوق الإسلام»، يضم فصلاً اسمه «فشل المسيحية فى الشرق الأوسط» تضمن شهادة المستشرق مونتجمرى وات، قال عنها عمارة فى مقدمة الكتاب: «هذه شهادة غربية منصفة للإسلام وحضارته وثقافته. العالم (وات) يشهد على أن انتشار الإسلام ووراثته للمسيحية فى الشرق، إنما يرجع إلى الضعف الذاتى الكامن فى تلك المسيحية وإلى فشلها فى تلبية حاجات الإيمان الدينى الذى تطمئن به القلوب، وذلك على العكس من التوحيد الإسلامى الذى حقق تفوقاً لا يُجارى فى هذا الميدان، وعلى استمرارية هذا الفشل المسيحى فى عصرنا الراهن، والذى يتخذ شكل تراجع المسيحية وتقدم الإسلام».

الحقيقة المأساوية أنه ليس من الجديد على شيخ الأزهر الحالى دعم التحامل والتهجم على المعتقدات المخالفة، والمسيحية خاصة (راجع مثلا مقالى عن «ازدواجية المعايير فى مسألة إهانة المقدسات»، ٩/١٢/٢٠٠٦). أما التساؤل الأعم، والأهم، فيكمن فى كيفية نشر الأزهر لكتابين كل شهر ليقترنا بالمجلة: هل تأتى الأموال المطلوبة للطباعة والمراجعة (والترجمة المكلفة فى بعض الحالات) من أموال دافعى الضرائب؟ إذا كان الحال كذلك فكيف يمكن أن تخصص أموال دافعى الضرائب لمثل هذه الأغراض (كما تخصص فى التعليم الأزهرى أصلا)، فى حين أن من بين من يدفع الضرائب يوجد المسيحى غير المؤمن برسالة الأزهر أصلا، وأيضا (نعم) المتشكك وحتى «اللا دينى» أو الملحد. أليس لهؤلاء حقوق؟ وإذا لم يكن لهم حقوق.. فلماذا الحرب أصلا؟

نعم نحن فى حرب، وهذه الحرب هى حرب ضد استخدام الدين فى إطار إبادى للفرد واستقلاليته الفكرية وحقه فى حياة كريمة آدمية، ثم للمجتمع وحقه فى البقاء وبناء الحضارة. هذه الحرب تتطلب قدرا من الاتساق المنطقى والجسارة الفكرية والصراحة، قدر أكبر بكثير مما هو متاح ومتواجد حاليا. لقد فات زمن المزح و«التهريج» والكسل والفقر الفكرى المخيف، فالمسألة صارت وجودية لمستقبل مصر. والاختيار ما زال متاحا أمامنا، لنكون جادين أو لا نكون. إذا كنا فعلا نتفق مع ما تقوم به أجهزة الدولة فى دعم التطرف فلا داعى للحرب أو للدماء التى تسيل، و«عوضنا على الله».. أما إذا كان الحال عكس ذلك، فمطلوب تغيير جذرى من أجل المشاركة والبقاء كجزء من الحضارة المعاصرة والعالم الذى صنعته.
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع