البرادعى .. ضرورة التعامل مع النخبة المفتتة
بقلم:رامى حافظ
مقدمة :
كنت أنوى أكتب مقال عن الاحزاب كأحدى الوسائل التى قد يستخدمها البرادعى فى التغيير ولكن البرادعى فاجئ الجميع بأعلان موقفه من الاحزاب بانه يعتبرها جزء من هذا النظام ، وبالتالى يفهم من السياق هو جزء من الديكور العام متجاهلاً تاريخها الطويل فى النضال من أجل الديمقراطية ومدى تحمل رجالها من أذى فى سبيل مواقفهم ، وبالرغم من مواقفنا منها ومهاجمتنا لها لكن علينا واجب اخلاقى بأعطاء كل ذى حقاً حقه وهو ما تسبب فى تغيير الهدف من المقال وأعتقد أن البرادعى جانبه الصواب فى هذا الموقف لذلك سأشرح وجهة نظرى .
بعد تخلى البرادعى عن الجمعية الوطنية للتغيير التى تأسست فى بيته ومعلناً نفسه رمزاً للتغيير واعتماده على الشباب وتحالفه مع الاخوان زاد الأمر تعقيداً على نفسه ، والمتابع لعملية التحالف من الواضح أنها تمت فى الخارج ومشروطة بالتخلى عن الجمعية الوطنية للتغيير ليصبح البرادعى مدعوماً من قوة سياسية واحدة ومعروفة هى جماعة الاخوان المسلمين حتى أذا نسب له نجاح يكونوا هم الشريك الوحيد فى ذلك ، أما الأمر المبهم هو تصميم الجماعة على جمع توقيعات على موقع خاص بها بالرغم من وجود موقع آخر لنفس العمل وطالما أرتضوا به رمزاً للتغيير فليعملوا تحت لوائه ولكن بقراءة تاريخ الاخوان لم يكن الأمر صادماً او مدهشاً فهذا أسلوب عملهم مع كل من شاركهم العمل يتم وفقاً لرؤيتهم وهو ما أفشل تحالفهم مع الوفد ونجاحهم مع العمل فقد غيروا المذهب الفكرى للحزب من اشتراكى قومى إلى اسلامى .
التحليل :
يعلم الجميع أن النخبة المصرية والتى تدعو للدولة المدنية بجميع مشاربها هى أهم مشكلة تواجه عملية التحول الديمقراطى فى مصر فهى تحتوى على كل أفات التفتت فالاتهامات بالخيانة والعمالة والتهادن والتلاسن فيما بينها وعقد الصفقات حتى الأتفاق على قضية محورية واحدة للعمل عليها لا يحدث ، ويعكس هذا الخلل الواضح فى عقلية تلك النخبة تاريخ القمع السياسى الذى مارسه نظام يوليو على المصريين منذ خمسينيات القرن الماضى وما أنتجه من أفرازات أنتجت هذه النخبة المشوهة ولا ينفى هذا وجود كيانات محترمة أو أشخاص فى كل جيل يعملون بأخلاص من أجل هذا الوطن وذلك بالنسبة للدور الذى لعبه نظام يوليو .
اما من ناحية النخبة فالسبب الرئيسى فى هذا التفتت أن تلك النخبة تتغافل حقيقة واقعة أن لا تنضال ضد نظام استعمارى بل تنضال فى ظل نظام وطنى لكنه شمولى واستبدادى ، فعملية التحفيز تصبح أكثر صعوبة لكن هذا لا ينفى حقيقة أن التغيير فى مصر يأتى دائماً من داخل النظام الحاكم فأنقلاب يوليو كان من الجيش الملكى وثورة 1919 كانت بزعامة رجل كان وزيراً وثورة عرابى جاءت من قلب الجيش الذى يحمى الخديوى .
فرد فعل البرادعى بتجاهل هذه النخبة هو مبرر ومعذور فيه ويعكس مدى ألمامه بها ويؤكد أنه فاقد الثقة فيها وأنه لديه النية القوية والحقيقية لتغيير النظام لكن للأسف نحن نتعامل مع أمر واقع وليس حلماً نتمناه ، فنظرية الابتعاد عن الغريق حتى لا يسحبنى معه إلى القاع ليست صحيحة بل تتطلب مزيد من بذل الجهد حتى ينجى الجميع وخاصة أننا نتحدث عن قيادة وطن ، ويعكس رد فعل البرادعى الرغبة الشديدة فى النزول إلى الشارع وهو ما ظهر فى أعتماده على شباب حركة 6 ابريل وشباب الجمعية الوطنية للتغيير والحقيقة أن هؤلاء الشباب معظهم كانوا فى شباب من اجل التغيير الذين كانوا فى حركة كفاية الذين كانوا فى أحزاب وبالتالى هم يحملون نفس أعراض نفس النخبة وسيظهر ذلك أن حدث نقاش فى أى موضوع أياً كان بينهم .
والدليل على ذلك ملاحظتان :
الملحوظة الاولى : حالة النرجسية الشديدة التى يتمتع بها هؤلاء الشباب فأذكر عند السعى لألتفاف حول البرادعى كنت أعرف العديد من الأصدقاء طلبوا الأنضمام للحملة المساندة له وتم تجاهلهم حتى يصبحوا هم وحدهم فى الصورة ، ومعظم هؤلاء الشباب من حركة 6 ابريل القادمين من حزب الغد وكلنا نعرف تاريخهم فعند تأسيس هذه الحركة تم أقصاء مجموعة من الشباب الذى لم يكونوا موافقين على الخط العام لرموز الحركة وتبادلوا الاتهامات بالخيانة وغير ذلك ، وهذا لا ينفى مدى مهارتهم فى الاستفادة من غباء الأمن الذى جعلهم أبطال ورموز للمجتمع دون أن يقدموا عطاءً وطنياً حقيقياً أستفاد منه المواطن ، كذلك شطارتهم فى أستخدام الفضاء الالكترونى من مدونات وشبكات تواصل مثل الفيس بوك وتويتر وهو ما يوحى أنهم شباب مصر الوحيدين والحقيقة عكس ذلك تماماً فأرجوا من لم يصدقنى أن يتعرف على عضو لحزب الغد غير المعروفين ويسألهم عن ماذا فعل أيمن نور زعيمهم فى انتخابات الهيئة العليا لجبهته حتى يكونوا أعضاء فيها ولا أزيد .
الملحوظة الثانية : حالة الارهاب الفكرى التى يمارسوها على كل من يخالف البرادعى أو يعلق عليه ويظهر ذلك بشكل قوى فى التعليقات التى تشعر أنها مبرمجة ويصاحب أى مقال أو تصريح ضد البرادعى بالسب والسخافة بالرغم أن هناك أمور معروفة ملموسة وحقيقية عن أداء البرادعى فى الفترة الأخيرة ، الأيحاء بأن البرادعى هو رمز الوطنية وأن من لا يعمل تحت لوائه عكس ذلك .
وقبل أن أسرد نتائج هذا التحليل لابد من التأكيد أن سعينا للتغيير لا يعنى صناعة ديكتاتور فالذى يحدث مع البرادعى هو كذلك كبديل للديكتاتور الحاكم فى الوقت نفسه أستطيع التأكيد على أن المواطن البسيط لا يعلم أى من رموز التغيير دون استثناء فهو مازال مهتم بأموره الحياتية الوقتية .
النتائج :
يترتب على تجاهل البرادعى للنخبة التى تدعو للدولة المدنية العديد من الأمور :
-حباط العديدين من الحالمين بالتغيير وخاصة أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة فى القرى والنجوع والذين يحلمون بمخلصهم من الحياة الصعبة التى يعيشوها .
-التخوف من البرادعى بأعتباره ديكتاتور جديد سيأتى بدلاً من الديكتاتور الموجود ، وكأننا سنعيش فى عصر الملكية التى كانت بها كل مظاهر الديمقراطية الحقيقية فى طبقة النخبة لكن المواطنين يموتون من المرض والفقر والجوع والوباء ويعانون من العوز .
-وسيتوقع البسطاء أن وجود البرادعى فى السلطة سيعنى خلق مجموعات من طبقة المصالح التى تشبه الموجودة الآن ولكن الأختلاف هو المفردات المستخدمة مثل الديمقراطية والكفاح بل سيطالبوا بالثمن فى حالة النجاح .
-أن حالة التحويل التى تحدث للبرادعى من رمزاً للتغيير إلى رمزاً للوطنية أمر كارثى وخطير على الأمة يتحمل البرادعى وحده ذنبه لأنه يصمت عن ذلك وسيجعل الكثيرين يبتعدون عنه ، وذلك لأنه سيتسبب فى حالة من التشكيك فى الكل بما يعنى فقد المصداقية للجميع وأهم الذين سيتأثرون بذلك أبناء الأحزاب وكذلك من ليس لديهم القدرة على الأعتقال لكن يتمتعوا بحث شعبى يستطيع كسب التعاطف وهؤلاء هم الأبطال الحقيقين .
-سيحرم من أستخدام الوسائل المتاحة القانونية للأحزاب لحماية أنصاره – وحادث الفيوم ليس ببعيد - كذلك المقرات والأدوات .
لذلك يجب على البرادعى العمل على جمع النخبة المدنية حتى يتم التوازن مع جماعة الاخوان فالأخيرة ستسقيه نارها بمجرد الخلاف معه على أى أمر ، وهو ما يفسر موقفهم فى أول رجوع البرادعى من المشاركة المحدودة إلى ما بعد ترك الجمعية الوطنية للتغيير بالمشاركة المسئولة عن النجاح .
أعتقد ان النتائج السابقة كفيلة بأعادة النظر فى تصور البرادعى عن النخبة المدنية المفتتة فالأتحاد قوة بمعنى أن تذهب القيادة التى تريد أن تجمع إلى الاخرين لا أن تنفرهم وتبعدهم بحجة أنهم جزء من النظام القائم .
وأختم بأن هناك درس عظيم لابد من الاستفادة منه جيداً هو درس سعد زغلول الذى جمع رموز الوطن تحت لوائه بالسعى إليهم وترك القضايا والمواقف هى التى تحدد وتفرز من هو الوطنى الحريص على مصالح الوطن ومن هو الذى يعمل من أجل مصلحته الشخصية وتساقطوا الواحد تلو الآخر ، أما عملية الاستشهاد بغاندى فلابد من التذكير أن غاندى فشل فى جمع عنصرى الامة الهندية وأتخذ سعد رمزاً فلدينا ما نفخر به .
وأعتقد أن هذا الدرس استفاد منه رئيس حزب الوفد الجديد الدكتور السيد البدوى هو جمع قيادات طبيعية من الشارع من أعضاء مجلس شعب حاليين او سابقين ومسئوليين تنفيذين وهم يساوى أرقاماً فى الشارع وهو ما يعكس خلفيته التنظيمية وتأثيرها على أدائه العام ، وهم على عكس الملتفين حول البرادعى من مناضلى الانترنت فنضالهم لا يسمن ولا يغنى من جوع ، فما حدث فى الاسكندرية ليس نجاحاً ولابد من أعادة قراءته برؤية موضوعية بعيداً عن المكابرة او التشنج .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :