اختارتها إحدى شركات الاتصالات شعاراً لحملتها الترويجية هذا العام وكان شعارا موفقا للغاية أخذنا إلى مساحة إنسانية تأثرت بلا شك تحت ضغوط الحياة وانشغالات الجميع، تتطور الحياة وتتعقد وتتزايد المتطلبات لتصاب علاقاتنا الانسانية بشكل عام وعلاقاتنا العائلية بشكل خاص بكثير من الفتور والإهمال الذى يزيد من انفصالنا الشعورى عن أسرنا الصغيرة وعائلاتنا الكبيرة.
نتأمل حالنا ونتذكر زمناً مضى كان الترابط العائلى والأسرى سمة مميزة للمصريين الذين كان كثير منهم يحرصون على توثيق شجرة العائلة وامتداداتها حتى يسهل التعارف والتواصل والتزاور. التكافل الاجتماعى داخل العائلة الواحدة كان أحد ملامح الترابط. كان التواصل طبيعيا وتلقائيا لا يحتاج لمناسبات حزن أو فرح. كان فى كل عائلة رجل حكيم يطلقون عليه كبير العائلة يتولى حل الخلافات إذا نشبت بين أفرادها ويتقدم ممثلًا للعائلة فى حالات الزواج من عائلات أخرى. كنا نسمع كثيرا كلمة (ابن عمى) و(بنت خالتى) و(ابن عم والدى) وكانت هذه الكلمات تعبر عن مدى عمق العلاقات بين أقارب الدرجتين الثانية والثالثة، فما بالك بالدرجة الأولى!
هذه ليست نوستالجيا ولا أحاديث حنين لماض عاشه كثير منا، ولكنه تذكير بحال قد تغير وتفكك فى العلاقات وذوبان لها يحدث يوماً بعد يوم دون أن ننتبه، إذا تفقدنا حالنا وقمنا برفع للواقع سنجد أننا قد لا نتحدث إلى أمهاتنا يومياً، وقد لا نرى أشقاءنا شهرياً، وقد لا نرى أعمامنا وعماتنا وأخوالنا وخالاتنا إلا سنويا وقد تمر عدة سنوات دون أن نلقاهم.
يخطئ المرء فى أسماء أبناء شقيقاته وقد يقابل أبناء عمومته صدفة ويتذكر أسماءهم ووجوههم بصعوبة بالغة، نتعلل جميعاً بمشاغل الحياة وبرحلة البحث عن السعادة، ولكن أى سعادة تلك التى نعيشها ونحن منعزلون عن عائلاتنا وشاردون فى تيه الدنيا وتقلبات الزمان؟ إن التواصل الإنسانى ضرب من ضروب السعادة، والترابط العائلى أحد المقومات الأساسية للاستقرار النفسى والشعور بالأمان وتحقيق غريزة الانتماء لجماعة بشرية.
نحن اليوم بحاجة لترك أجهزة الكمبيوتر والهاتف المحمول والتابلت قليلاً لنلتقط أنفاسنا ونوفر بعض الوقت لاستعادة الحياة العائلية فى دوائرها الصغيرة والكبيرة طبقاً للأولويات البديهية التى تبدأ ببر الأب والأم ورعاية الزوجة والأبناء ثم صلة الأرحام التى يأمرنا بها الدين ويرغب الناس فيها ابتغاء مرضاة الله.
نستطيع أن نجد الوقت إذا أردنا وعزمنا على تغيير واقعنا، نستطيع أن نعيد جمع الشمل وتعميق الترابط إذا خططنا لذلك وأدركنا أهميته. وسائل الاتصال الحديث يمكن أن تتحول إلى منابر ومنتديات لجمع شتات العائلات ضعيفة التواصل. كل عائلة يمكن لشبابها أن يجددوا ارتباطها النفسى والعاطفى عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعى وتعليم الكبار كيفية استخدامها. الفعاليات العائلية المجمعة يمكن أن تكون نصف سنوية أو حتى سنوية يجتمع فيها الكل ليتعارفوا وتتلاحم الأجيال الجديدة مثلما تلاحم أجدادهم يوماً ما. نحتاج لتطوير هذه الفعاليات وجعلها (موضة) إيجابية يحبها الشباب ويقبلون عليها من تلقاء أنفسهم. الباب مفتوح للإبداع وللأفكار الجديدة خاصة لعائلات كبرى يبلغ عدد أفرادها فى مصر عشرات الآلاف. قوتك فى عيلتك وقوة بلدك فى مجتمع مترابط، فلنصنع هذا الترابط.
نقلا عن المصرى اليوم