الأقباط متحدون | مستقبل مصر .. تحسمه صراعات الكواليس
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٢:٣٩ | الخميس ٥ اغسطس ٢٠١٠ | ٢٩ أبيب ١٧٢٦ ش | العدد ٢١٠٥ السنة الخامسة
الأرشيف
شريط الأخبار

مستقبل مصر .. تحسمه صراعات الكواليس

الخميس ٥ اغسطس ٢٠١٠ - ١٢: ٠٨ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم :نبيل شرف الدين
بملء الفم، واتكاء على ضمير مطمئن، يمكن للمرء أن يزعم أن شعوب المنطقة كافة ـ وفي القلب منها الشعب المصري ـ لا ناقة لها ولا بعير فيما يجري الآن من ترتيبات للمستقبل القريب، فليست هناك ثمة سابقة تاريخية يتيمة، تنبئ بأن هذه الشعوب غيرت ذات يوم واقعاً سياسياً في أي من بلدان المنطقة.
وبالتالي فإن المعركة الحقيقية التي يجب التعويل على نتائجها، هي تلك المحتدمة داخل صفوف النخبة، خاصة السياسية والاقتصادية، في ظل تراجع دور النخب الأخرى كالثقافية والدينية الرسمية وحتى الإعلامية، لأن كل هذه النخب أصبحت مستلبة بدرجة أو أخرى وفقدت استقلاليتها، وبالتالي لم تعد تلعب الآن سوى دور التابع، الذي يؤدي دوراً لصالح الساسة ورجال الأعمال، بل وتضبط إيقاعاتها على موجة هؤلاء من رجالات المرحلة وسادتها.
ولا يحتاج الأمر إلى جهد كبير لإثبات مدى "توحش" النخبة الاقتصادية على نحو لم تعرفه البلاد منذ أكثر من نصف قرن، فلم يحدث أن أوكلت لمثل هذا العدد من رجال الأعمال حقائب وزارية كما يحدث الآن، ولا ضير في ذلك خاصة بعد فشل التكنوقراط والعسكريين السابقين، في التوصل إلى حلول ناجعة لأزمات البلاد والعباد.
لكن علينا أن نفكر بما يمكن أن يحدث حين يمسك هؤلاء بزمام السلطة والثروة معاً، في ظل رقابة صورية ومؤسسات رخوة تستمر بقوة الدفع الذاتي، وتحكمها نظم إدارية عتيقة، كما تعرضت لموجات من الإفساد والاختراق المنظم من جانب قوى متطرفة، حتى باتت شخصية "الحاج المدير" تستنسخ في كافة مرافق الدولة.
وهذا "الحاج" ليس بالضرورة رجلاً يؤدي عمله المنوط به بما يرضي الله، بل هو مجرد مسخ منافق، يلتزم بمظاهر شكلية، كاللحية المرسلة و"الزبيبة"، وترديد بعض العبارات الإنشائية المبتذلة، لكن كل هذا لا يحول دون تعطيل مصالح خلق الله، وقبول الرشوة وطلبها، والتمييز بين الناس على أسس المصلحة الشخصية والمحسوبية والنفوذ، وغيرها من الأوبئة المستقرة في دهاليز الجهاز الإداري للدولة المصرية، ولعلي لست متشائما حين أعمم هذا المشهد الفاسد عربيا، وبالطبع فلن يجدي مجرد إنكار وجوده، أو تجاهله ـ إن كنا جادين حقاً في الإصلاح ـ الذي نأمل أن ينبع من الداخل، أو يأتي من الخارج أو من أي مصيبة.
ولعلنا لا نبالغ أيضاً إذا رأينا أن الصراع الدائر حالياً في أروقة السلطة وكواليسها يتجاوز في شراسته وأهمية نتائجه، ذلك الصراع "المفترض" بين النظام الحاكم مع المعارضة ـ إذا سلمنا جدلاً بأن هناك صراعاً كهذا بالأساس ـ خاصة في ظل تشرذم قوى المعارضة.
هناك مثلاً عدة أحزاب تمثل التيار القومي بتنويعاته المختلفة، وأصبحت هناك حزمة أحزاب ترفع راية الليبرالية، والخلافات بينها ليست في الأهداف أو السياسات بل في صراعات شخصية على الزعامة، ولن أتطرق إلى أحزاب الأنابيب التي تتسابق في الدفاع عن الحكومة أكثر من حزبها، وتمارس دوراً مبتذلاً كراقصة تجاوزت السبعين تحاول إثارة الجمهور بالأصباغ، لتثير الشفقة أكثر مما تثير الاستهجان والتقزز.

في ظل هذا المشهد العبثي الشرير، يمكن أن نرصد بين الحين والآخر حملات ضارية تشنها بعض الصحف الحكومية على مسؤولين كبار ووزراء، وهذه الحملات لا تنبئ عن رغبة في الإصلاح، أو ممارسة النقد الذاتي، بقدر ما تعكس حجم الصراع الشرس داخل أروقة السلطة، وخلف كواليسها.
فأسراب الذباب التي راحت تحوم حول نجل الرئيس جمال مبارك طمعاً في جزء من كعكة السلطة في المرحلة المقبلة، لا يعنيها أن تتفشى الأوبئة ولا أن يصبح المشهد العام في الشارع المصري مأزوماً ومحتقناً، بقدر ما تسعى لانتزاع "مساحة ما" هنا أو هناك، ولعل ما شجعها على ذلك هو نجاح بعض الأدعياء منعدمي الموهبة في الوصول إلى مواقع مرموقة، لا لشئ إلا لأن مصادفة قدرية حمقاء ألقت بهم في طريق أحد المتنفذين الكبار، في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ مصر.

هذا الصراع المكتوم داخل دوائر السلطة يُذكر بمؤامرات القصر والحكومات في آخر أيام العهد الملكي، في ظل ملك ضعيف حاصرته الأزمات من كل حدب وصوب، بدءا بمحيطه العائلي وصولاً إلى جوقة الانتهازيين الذين لا يعنيهم سوى تحقيق مصالحهم الشخصية، وفي سبيل ذلك فهم مستعدون لهدم المعبد على رؤوس الجميع، إذا اعترضت طموحاتهم أية عوائق.

ربما أكثر ما بات يخشاه المرء الآن، أن يقفز فصيل انتهازي يرتدي مسوح التأسلم، ليقبض على مقاليد الأمور، مستغلاً "حالة السيولة" التي تتسم بها المرحلة الانتقالية الراهنة، خاصة وأن هذه الجماعات المتطرفة وقد أدركت أن الصدام المسلح مع النظام الحاكم لعبة خطرة، وخيمة العواقب، فقررت أن تتمكن من أجهزة الدولة باختراقها، وبدأت بمؤسسات الإعلام والشارع ثم التعليم والجهاز الإداري للدولة، وليس مستبعدا أن يكون الاختراق قد تمكن من مؤسسات أخرى بالغة الأهمية، ولعل جولة عابرة داخل أروقة أي من دواوين الحكومة في طول مصر وعرضها، وتأمل ما يجري داخلها من ممارسات، سيكون كافياً لتعزيز هذه المخاوف المشروعة.
أما "خارطة الصراعات" المستعرة داخل دوائر السلطة في مصر، فهذا ما سنجتهد في رسمها في مقالات لاحقة، وكل عام وأنتم بخير.

* رئيس تحرير "الأزمة"




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :