بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملفالأمور المسكوت عنها (541)
كنا أربعة من أعضاء المجلس الملي العام:الدكتور ثروت باسيلي وكيل المجلس والمستشار منصف سليمان والدكتور منير عزمي وأنا,جمعنا هدف واحد أن نذهب للقاء قداسة البابا تواضروس الثاني لننقل لقداسته مشاعر قلق وتوجس انتابتنا عقب تفجر أعمال شغب من بعض حضور محاضرة قداسته في الكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس بداية هذا الشهر,الأمر الذي أدي إلي صعوبة السيطرة علي الانضباط وتعذر إلقاء البابا لمحاضرته ومغادرته للكاتدرائية.
ما تناقلته الأنباء عن ذلك الشغب الذي تفجر في الكاتدرائية أرجعه إلي احتجاج وغضب أطراف لها قضايا للأحوال الشخصية معلقة دون حل-بالرغم من أنباء أخري تحدثت عن عدم وجود أطراف مرتبطة مباشرة بتلك القضايا إنما الأمر محصور في عدد من المحامين الذين أضيرت أعمالهم نتيجة تعطل القضايا التي في حوزتهم في ذلك المجال-وفي أي الأحوال رأينا نحن الأربعة الساعين للقاء قداسة البابا أن نستجلي حقيقة الأمور من قداسته ونتدبرما العمل نحو تهدئة الغاضبين وطمأنة أصحاب مشاكل الأحوال الشخصية أن الكنيسة لاتنساهم وتدبر الصالح لرعاية مشاكلهم…
ذهبنا للقاء قداسة البابا وتحدث قداسته بطبيعته الهادئة وحكمته المألوفة…تناول ماحدث دون غضب أو انزعاج وأكد أن الكنيسة أعدت اللائحة الجديدة للأحوال الشخصية والتي تتسم بقدر ملحوظ من العدل والرحمة معا:العدل في عدم التفريط في الثوابت المسيحية وتعاليم الكتاب امقدس,والرحمة في التعامل مع واقع الحياة وتطور المجتمع والوفاء باحتياجات الأسرة وحمايتها من الانهيار…وأن هذه اللائحة تم تقديمها عبر القنوات الرسمية للدولة سعيا لإجازتها وإصدار قانون بخصوصها تمهيدا لاستعانة السلطة القضائية بموادها خلال نظر قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين…الأمر الذي ينتظر انعقاد البرلمان القادم لإدراكه-مثله مثل التشريعات المنتظرة لبناء وترميم الكنائس -طبقا لما ينص عليه الدستور.
كما أوضح قداسته أن الكنيسة-بالإضافة إلي لائحة الأحوال الشخصية-تدرك أن رعايتها للأسرة والمشاكل التي تحيق بها لم تعد تستقيم مع مجلس إكليريكي واحد مركزه رئاسة الكنيسة في القاهرة وتمتد مسئولياته لتغطي الأقباط عبر مصر كلها وسائر كنائس الخارج والمهجر في دول العالم وقاراته…ولذلك تم إعادة تنظيم المجالس الإكليريكية ووضع لائحة جديدة لها سوف يتم الإعلان عنها أول يوليو المقبل-بعد ثلاثة أيام- وتتضمن تعيين مجلس إكليريكي لكل إيبارشية برئاسة أسقفها وأحد الآباء الكهنة وأحد رجال القانون وطبيبة,حيث ينظر هذا المجلس جميع المشاكل المرتبطة بالأسرة ويتخذ بشأنها قرارا جماعيا بين أعضائه…أما إذا لم يقبل أي من أطراف المشكلة ذلك القرار فمن حقه استئناف نظر المشكلة لدي الدرجة الأعلي من المجالس الإكليريكية التي تم تشكيلها وعددها ستة مجالس موزعة مسئولياتها جغرافيا بحيث تتولي ثلاثة منها مصر:واحد للقاهرة والجيزة, وواحد للإسكندرية والوجه البحري,وواحد للوجه القبلي…أما الثلاثة الباقون فموزعة علي سائر إيبارشيات الخارج والمهجر.
وأعرب قداسة البابا عن ارتياحه وثقته أن إقرار اللائحة الجديدة للأحوال الشخصية وما تتسم به بنودها من واقعية,بالإضافة إلي تفعيل عمل التنظيم الجديد للمجالس الإكليريكية بمستوييها,سيكون من شأنه تصفية المشاكل المعلقة للأحوال الشخصية للمسيحيين علاوة علي سرعة التعامل مع ما ينشأ من مشاكل في نطاق الأسر الحديثة التكوين…واتفقنا جميعا مع قداسته أن ذلك الإنجاز الكبير يعوزه نشره والإعلان عن تفاصيله بشتي وسائل النشر وعبر القنوات الإعلامية والصحفية وفي سائر الكنائس والإيبارشيات,لأن شرائح غير قليلة من الشعب القبطي في الداخل والخارج لا تعلم عنه شيئا ومن شأن نشره وإحاطة هذه الشرائح علما به أن يبعث في نفوس الأسر والأفراد فيها الكثير من الارتياح والطمأنينة مع إدراك الحدود الواضحة للحقوق والواجبات التي يتعين علي الجميع الإلتزام بها تحت مظلة الكنيسة.
وقبل أن ينفض هذا اللقاء المثمر الذي جمعنا نحن الأربعة بقداسة البابا-وباعتبار جوهر المناقشة كان منصبا علي لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين-اقترحت أنا علي قداسته أن يتم تضمين اللائحة ملحقا يخص تشريعات المواريث في التشريع المسيحي وهو الأمر الذي أظل مثقلا به وتناولته تفصيلا في هذا المكان أكثر من مرة آخرها كان في الحلقتين المتتاليتين رقم(524) ورقم(525) من ملف الأمور المسكوت عنها في فبراير الماضي وجاءتا تحت عنوانأين تشريعات المواريث في قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين؟حيث عرضت سائر الأدلة التاريخية التي أدرجها الأستاذ فتحي راغب حنا المحامي بالنقض والدستورية العليا في كتابهأحكام وقواعد المواريث والوصية وفقا لأحكام الشريعة المسيحية وأحكام الشريعة الإسلامية والتي تثبت أن الشريعة المسيحية تساوي الرجل بالمرأة في الأنصبة التي يحصل عليها كل منهما في الميراث…وحرصت أن أوضح لقداسة البابا أن هذه الإضافة للائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين-إذا تم إدراكها الآن وتم تضمينها القانون المزمع صدوره في هذا الشأن لن تكون مجرد إقرار لعدالة مفتقده بين المسيحيين في المواريث لكنها أيضا ستقدم نموذجا حضاريا يحتذي لمصر كلها يضاف إلي إسهامات وإنجازات الكنيسة المصرية في أزمنة ومجالات عديدة…وقد وافق قداسة البابا علي دراسة هذا الاقتراح حتي إذا تبين عدم وجود أية عوائق تحول دون الأخذ به لن يكون لدي الكنيسة ما يمنع إضافته إلي اللائحة.
انتهي اجتماعنا بقداسة البابا تغمرنا مشاعر ارتياح وتقدير للدور العظيم الذي يقوم به قداسته لرعاية شعبه وتطوير مؤسسة الكنيسة للاضطلاع بالمسئوليات الجسيمة المتزايدة لهذه الرعاية.
نقلا عن وطنى