الأقباط متحدون - ثقافة التسول فى رمضان.. وتدهور منظومة القيم
أخر تحديث ٠٢:١٦ | الجمعة ٢٦ يونيو ٢٠١٥ | ١٩بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٠٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ثقافة التسول فى رمضان.. وتدهور منظومة القيم

وحيد عبد المجيد
وحيد عبد المجيد

ما إن يهل شهر رمضان المعظم حتى تعبئ الجمعيات الخيرية، التى تستثمره فى جمع تبرعات، كل طاقاتها لخوض تنافس يسعى من خلاله كل منها إلى حصد أكبر كم ممكن من هذه التبرعات.

وليس ممكناً، ولا هو من الأمانة فى شىء، إنكار أن بعض هذه الجمعيات يقوم بأدوار مهمة فى تعويض ضعف دور الحكومة فى الرعاية الاجتماعية، وخاصة تلك التى يتركز نشاطها الخيرى فى إنشاء مستشفيات تشتد حاجة المجتمع إليها بالفعل. كما أن بعضها يساعد الراغبين فى التصدق على توجيه ما يجودون به فى اتجاه يخدم المجتمع عبر إقامة مؤسسات للرعاية، بدلاً من إنفاقه فى مصارف عشوائية فتقل فائدته أو تنعدم.

غير أن هذا الجانب الإيجابى فى حملات جمع التبرعات التى تنشط فى مناسبة شهر رمضان يحجب ارتباطها بأحد جوانب الخلل المتراكم عبر عقود فى منظومة القيم السائدة فى المجتمع، وهو انتشار ثقافة التسول على أوسع نطاق وترويج أشكال جديدة من الاستجداء، والاتجار بمعاناة الفقراء. وفى هذا السياق، يُساء فى بعض الأحيان استخدام التبرعات على النحو الذى لا يظهر إلا قليل منه وبالمصادفة، كما حدث مثلا بشأن بعض جمعيات رعاية الأيتام خلال الشهور الأخيرة، وكذلك الجمعيات التى دعمت اعتصامى «رابعة» و«النهضة» فى صيف 2013.

لقد كان التسول مقصوراً فى مصر ذات يوم على الشحاذة التقليدية التى يعتمد بعضها على التحايل، بينما يعبر بعضها الآخر عن ازدياد حدة الفقر فى المجتمع بفعل السياسات التى اتُبعت على مدى أكثر من ثلاثة عقود.

غير أن التسول تجاوز هذا الإطار، وتحول إلى ظاهرة منتشرة مرحب بها ومنظور إليها بتقدير من جانب قطاع واسع من الناس، وأصبح نوعاً من الـ«بيزنس» يتنامى كل عام فى مجتمع اختلت منظومة القيم فيه، ولم يعد يجد مانعاً فى «بزنسة» كل شىء.

ولذلك انتقلت ثقافة التسول هذه إلى برامج تليفزيونية يبدو لأول وهلة أنها تؤدى مهمة إنسانية جليلة وتساهم فى حل مشاكل فقراء ومعدمين، ولكن تأمُل محتواها يدل على أنها تدعم تلك الثقافة التى تتعارض مع عاملين أساسيين لا يتيسر بناء أية دولة حديثة إذا غابا أو ضعف حضورهما. وأولهما قيام الحكومة بمسؤوليتها ليس فقط فى الرعاية الاجتماعية ولكن أيضاً فى تبنى رؤية واضحة ومتكاملة لعملية تنموية وفق أولويات محددة تؤدى إلى استيعاب أكبر عدد من العاطلين والملتحقين بسوق العمل كل عام، وتقلل بالتالى الحاجة إلى سد الحاجات الأساسية عن طريق التسول بأشكاله الجديدة.

أما العامل الثانى فهو توجيه الموارد الهائلة التى تتحقق عن طريق جمع التبرعات، وخاصة فى مناسبة شهر رمضان، وجهة إنتاجية أكثر منها استهلاكية. فالقسم الأكبر من هذه التبرعات يُنفق فى توزيع مبالغ مالية صغيرة على فقراء صار قليل منهم محترفين فى هذا المجال ويعرفون كيف يحصلون على هذه المبالغ من جمعيات عدة، أو فى تقديم وجبات غذائية على نحو يجعل هذا النشاط صورة أخرى من صور «موائد الرحمن».

ولو أن القسم الأكبر من الموارد التى تُنفق فى هذين الاتجاهين أُحسن استخدامه لإنشاء مشاريع توفر فرص عمل كريم، وتحقق إنتاجاً يساهم فى النمو الاقتصادى، لحققت إنجازاً كبيراً.

ورغم عدم وجود أى بيانات عن حجم الأموال التى تجمعها الجمعيات الخيرية المتزايدة وخاصة الكبيرة والمعروفة منها، فلدينا مؤشر مهم وهو المبالغ التى تنفقها على الإعلانات التلفزيونية التى تبثها خلال شهر رمضان وحده. فهذه الإعلانات تشى بقدرة الجمعيات الأكثر شهرة على جمع تبرعات هائلة تشتد الحاجة إلى إعادة توجيهها فى مسارات إنتاجية.

ولا يخفى الأثر المترتب على انتشار ثقافة التسول فى كل مجال من مجالات حياتنا، بما فى ذلك الانتخابات التى نكتفى بـ«التندر» على شراء الأصوات فيها، والمطالبة بوضع حد لهذه الممارسات التى تُعد جزءاً من ظاهرة أشمل.

ولذلك تُعد معالجة الاختلالات الهائلة فى منظومة القيم المجتمعية أولوية قصوى فى مجتمع جرَّفت السياسات الاقتصادية والاجتماعية أفضل ما فيه على مدى عدة عقود. فقد اختل توازن هذا المجتمع، وتدهور مستوى الأداء فيه، واختنق من شدة الزحام، واحتقن لقلة الفرص المتاحة لأبنائه وازدياد التكالب عليها فى غياب معايير موضوعية تضمن حصول الأكثر جدارة عليها.

وتبدأ هذه المعالجة بتبنى سياسات تضع حداً للمحسوبية وتوريث الوظائف فى القطاعات الأكثر أهمية، وتُضَّيق الفجوة بين الشرائح الاجتماعية العليا وما دونها، وتُقَّلل فوضى المعاملات الاقتصادية فى غياب سوق منظَّمة للاستثمار والعمل والتشغيل، وتواجه انتشار الفساد الكفيل بتخريب أية منظومة قيم إيجابية.

وعندئذ، يمكن استعادة أهم القيم المجتمعية التى خُربت، وخاصة قيم العمل والتعفف والأمانة التى اجتاحها توسع الميل إلى التسول والتحايل والفهلوة والغش.
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع