بقلم : يوسف سيدهم
لست ممن يتهيجون ويرتفع صوتهم غضبا واحتجاجا عندما تتعرض المسيحية لهجوم,فأنا أؤمن أن المسيحية راسخة قوية أركانها ثابتة,ومن يريد حقا إجلاء أي غموض لديه بخصوصها سوف يلجأ للكتاب المقدس وسائر الكتب والوثائق التاريخية والدراسات للبحث عن ضالته المنشودة,وقد يلجأ للعلماء والدارسين ليناقشهم ويحاججهم بلا حساسية أو حدة,فالهدف أولا التعرف علي الإيمان المسيحي وعقيدة المسيحيين قبل أن يكون اعتناق الديانة المسيحية…وهنا تكمن أهمية معرفة كل منا لعقيدة الآخر واحترام ارتباطه بها وممارسته لشعائرها والاختلاط الحياتي الطبيعي معه دون أن يقف اختلاف العقيدة حائلا أمام ذلك.
أصحاب النوايا الطيبة لايتعمدون الإساءة إلي الأديان فمن يقتربون منا للاستفسار عن أركان إيماننا المسيحي وطقوسنا وأعيادنا وصلواتنا نجيبهم بكل حب وتقدير عن الإيمان الذي بداخلنا…أما أصحاب النفوس الضعيفة والمتربصون والمتعصبون فلا يأتون ولا يسألون إنما يوجهون سهامهم المسمومة بالهجوم غير عابئين بالإساءة للمقدسات أو بجرح المشاعر أو بتحقير عقيدة الآخر في وطن واحد يجمعنا.
وأعود لأؤكد أنني لست أتعرض لهذا الواقع المريض المسكوت عنه غيرة علي المسيحية أو ذودا عنها أمام ماتتعرض له من هجمات -فالمسيحية لها رب قوي يحميها ويدافع عنها-لذلك لا يفزعني مضمون الهجوم عليها بل أقف أمام مدلوله…لا يقلقني اتهام المسيحيين بأن كتابهم محرف أو أنهم مشركون, بل ألتقط العصبية الكامنة وراء ذلك…لا أنكسر أو أنهار أمام مشهد تدمير صليب أو حرق كتاب مقدس لأني أري النفوس الضعيفة المرتبكة الضالعة في ذلك.
إنما ما أتعرض له اليوم هو موقف المجتمع والقانون من تلك الممارسات التي تسئ للأديان وتحقر العقائد وتكدر السلم الاجتماعي,وقد استشعر مجتمعنا ذلك وأدرك خطورته وشرع جريمةازدراء الأديان ليسائل ويعاقب كل من يقع تحت طائلتها…والمفهوم طبقا للدستور والقانون ومعايير المساواة في حقوق المواطنة أن جريمةازدراء الأديان تنطبق علي كل من سولت له نفسه ازدراء الدين الإسلامي كما تنطبق بنفس القوة والصرامة علي كل من سولت له نفسه ازدراء الدين المسيحي…ولعلي لا أغفل أهمية انطباقها أيضا علي كل من تنفتح شهيته لازدراء الدين اليهودي أو يسيل لعابه للسخرية من عقائد الآخرين.
تتعرضوطني اليوم لواقع جرائم ازدراء الأديان والتناقض الصارخ الذي يكتنف تعامل المجتمع والقانون إزاءه…فمقابل الاستنفار والتحفز والهياج الذي يناله مزدري الدين الإسلامي هناك تنكر ولا مبالاة وغض البصر عن مزدري الدين المسيحي…وفي الوقت الذي يروع فيه الأقباط إزاء اتهام شاب مسيحي بوضع صورة تزدري الدين الإسلامي علي تليفونه المحمول ويتعرضون للتنكيل والهجوم والعقاب الجماعي,نجد شتي صور الهجوم علي الدين المسيحي مستشرية في كل حدب وصوب..في أبواق المساجد ومناهج الدراسات الإسلامية وكتب الدعوة وبعض منابر الإعلام,وكان مسك الختام مانشره الدكتور محمد عمارة مستشار شيخ الأزهر في كتيب ملحق بالمجلة الرسمية للأزهر حين نعت المسيحية بأنهاديانة فاشلة!!كل ذلك يحدث ويستمر يحدث دون قلق أو استنكار أو تفعيل لقانون ازدراء الأديان.
من الواضح أن هناك تناقضا صارخا بين تعامل المجتمع والقانون مع جرائم ازدراء الدين الإسلامي وبين التعامل مع جرائم ازدراء الدين المسيحي…والخطورة في ذلك تكمن في اغتيال المساواة وحقوق المواطنة,فالمغالاة في تعقب وعقاب جرائم ازدراء الدين الإسلامي تقابلها الاستهانة بتعقب وعقاب جرائم ازدراء الدين المسيحي, والدوي الذي فجرته صورة علي تليفون محمول لشاب لا صفة له لا يستقيم أبدا مع الصمت المريب إزاء إساءة بالغة صادرة عن شخصية تشغل منصب مستشار لشيخ الأزهر وتنشر الإساءة مجلة تابعة لمؤسسة الأزهر!!!
إننا كمجتمع مصري يجل ويقدس الأديان رفضنا دعاوي الغرب في رفع كل القيود علي حرية التعبير وحرية الإبداع,ووضعنا القيود علي تلك الحريات إذا استخدمت للإساءة للأديان والمعتقدات,وشرعنا جريمةازدراء الأديان تطبيقا لذلك وحماية للمجتمع وصيانة للسلام الاجتماعي…لكن ما بالنا نكيل بمكيالين فيازدراء الأديان؟!!