بقلم: فاضل عباس
الأزمة التي يعيشها العراق حالياً تعود بشكل أساسي إلى رفض نوري المالكي التخلي عن منصب رئاسة الوزراء أو حتى ترشيح قيادي آخر من حزب الدعوة الذي يتزعمه، والمالكي أصبح شخصاً مرفوضاً من التيارات العراقية لأسباب مختلفة، فالتيار الصدري يرفضه نظراً للمعتقلين الكثيرين من التيار في السجون العراقية بسبب المالكي وصولة الفرسان التي قادها الجيش العراقي ضد التيار وراح ضحيتها العديد من القتلى في البصرة، وحزب المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم يرفضه لتجاهل المالكي لمختلف الأطراف المشاركة في الحكومة السابقة وتفرده بالحكم، وأما تيار الإصلاح الوطني بزعامة الجعفري فهو من تضرر من قيام المالكي بالانقلاب المشهور ضد الجعفري في حزب الدعوة بمجرد خروج الجعفري من رئاسة الوزراء.
لذلك فالمالكي برفضه التخلي عن رئاسة الوزراء وتمسكه بالحكم أصبح يعيق تشكيل الحكومة، ونظراً للحالة الطائفية في العراق، فان التيارات الشيعية لا توافق على تولي اياد علاوي للحكومة بما يجعل المحاصصة السابقة وكأنها أمر واقع على الجميع القبول به وهي رئاسة الجمهورية للأكراد ورئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة البرلمان للعرب السنة، وهي محاصصة تشكل عمقاً للمشكلة العراقية والعائق الحقيقي أمام تقدم العراق، وهي من جهة أخرى تخالف حتى الدستور الذي وضع بعد الاحتلال.
قد يبدو لمن ينظر للأزمة العراقية بأنها نتاج رفض المالكي التخلي عن رئاسة الحكومة، ولكنها في العمق أزمة بنيوية في النظام القائم الذي صنعه الاحتلال الأمريكي، فالأحزاب التي ساندت الاحتلال في اجتياح العراق واتفقت في ذلك الوقت على وصولها جميعاً للحكم برفقة الاحتلال غير متفقة اليوم على الحكم الجماعي، ويبدو أن خروج المالكي عن هذا الركب ومحاولته الاستفراد بالحكم لن تكون الأولى أو الأخيرة، بل سوف يتبعها محاولات، والأمور لن تنتهي عند تشكيل الحكومة العراقية القادمة فالأزمة بنيوية في النظام.
العراق يعيش مرحلة انتقالية حتى خروج جيش الاحتلال الأمريكي وعندها سوف تبدأ أزمة السيطرة على الحكم من الأطراف جميعاً وخصوصاً الأحزاب الشيعية، فمن وفّق بينها هو عداؤهم لصدام حسين واليوم مصدر العداء غير موجود والأخطر في الأزمة العراقية هو الاستقطاب المليشياوي للأجهزة الأمنية وهذه الأجهزة سوف تستخدم في معارك طاحنة في المستقبل إلى أن يستطيع احد الأطراف حسم الأمور لصالحه، لذلك فان عقلية تمسك المالكي بالحكم موجودة في جميع الأحزاب التي جاءت مع الاحتلال، والمستقبل سوف يكشف المزيد من الأزمات، ولكن الخوف الأكبر هو أن تكون وحدة العراق والعراقيين هي الخاسر الأكبر والمتضرر الكبير من هذا التناحر الحزبي والشخصي.