الاثنين ١٥ يونيو ٢٠١٥ -
٠٧:
١٠ ص +02:00 EET
بقلم: د. نادر نورالدين
الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة
في المقال السابق استعرضنا مشاكل محدودية التربة والمياه العذبة مسببة تنامي الفجوة الغذائية ثم مشكلة تفتيت الملكية الزراعية وصغر الحيازات. اليوم نستعرض عددا آخر من المشكلات والتي نبدأها من بدائية الزراعة المصرية والتي مازالت تزرع وتحصد بنفس الطريقة التي كان يزرع بها الفراعنة وإهمال دور التحديث والآلة لتقليل التكاليف ورفع جودة الانتاج وزيادة المحصول وتقليل الفاقد أثناء الحصاد والنتيجة ان الاعتماد الكبير علي العمالة اليدوية أودي
بإنتاجية العامل الزراعي المصري إلي الحضيض بين الدول العربية بسبب الإنفاق الكبير علي العمالة اليدوية. فعلي سبيل المثال يحتاج حصاد فدان القمح في الخارج إلي عامل واحد يقود ماكينة الحصاد والدراس والتعبئة معا. بينما الأمر في مصر يستنزف في عشرات العمال لضم القمح وتكويمه ثم عمالة أخري لتلقيم القمح لماكينة الدراس البلدية ثم عمالة لتعبئة التبن في بالات وجمع أجولة القمح وخياطتها. النتيجة ان انتاجية العامل المصري انخفضت إلي 497 دولارا بينما في السعودية 5500 وفي هولندا والولايات المتحدة 23 ألف دولار لأن ما ينجزه عامل واحد في هذه الدول ينجزه عشرات العمال في مصر.
تأتي المشكلة التالية وهي تخلف الانتاجية الزراعية للفدان في مصر عن المعدلات العالمية بسبب عدم الاستعانة بالتقاوي عالية الإنتاج وإضافة الأسمدة الكيميائية بالكميات الموصي بها عالميا وتوفير المبيدات الآمنة للمزارع المصري. التقاوي عالية الإنتاجية والأسمدة تنتج 24 أردباً من القمح في الفدان في هولندا وأمريكا بينما تتراوح بين 15 - 18 أردبا فقط في مصر ونفس الأمر في الفول والعدس حيث تعطي في مصر طنا واحدا للفدان بينما تعطي في انجلترا واسبانيا 2.5 طنا هذا الأمر يوضح ضعف صرف الدولة علي البحث العلمي الزراعي والذي ينبغي ألا يقل عن 1% من الناتج الزراعي بينما هو في مصر أقل من نصف هذا الرقم وبالتالي لا تتسلم الجامعات ومراكز البحوث الزراعية إلا مرتبات الباحثين ولا تتوافر ميزانيات مخصصة لتطوير انتاجية التقاوي دورياً وبالتالي شاخت أصنافنا وتمكنت منها الآفات والأمراض بل وتوطنت. هذا الأمر يفتح باب أهمية دعم المزارعين لزيادة الانتاج الزراعي والتي توضح منظمة الأغذية والزراعة انه في صالح الدولة أولا قبل صالح المزارعين والابتعاد عن المبالغة في رفع أسعار الأسمدة والتقاوي والمبيدات من وقت لآخر توضح الفاو ان دعم مدخلات الانتاج الزراعي من تقاوي وأسمدة ومبيدات تعمل علي زيادة انتاج الغذاء في الدول النامية والمستوردة لغذائها بما يعني ضمنياً تراجع وارداتها من هذه الأغذية وتوفيرها لعملاتها الصعبة بالإضافة إلي ذهاب مبالغ الاستيراد للمزارعين المحليين فتدعم الاقتصاد المحلي وتدور في فلكه وتحد من الفقر في الريف والهجرة من الريف إلي المدن وفي المقابل توضح الفاو ان ارتفاع أسعار الأسمدة الكيميائية في الدول النامية فوق طاقة المزارعين بما يجبره علي اضافة نصف الكمية المعتادة فقط يتسبب في خفض المحصول بنسبة 30% بينما الارتفاع الكبير في أسعار الأسمدة فوق قدرات المزارعين الشرائية قد تؤدي إلي عدم اضافته للأسمدة نهائياً وفي هذه الحالة يقل المحصول 50% وفي كلتا الحالتين سيزيد استيراد الدولة للغذاء بنسبة 30 - 50% بما يستنزف عملاتها الأجنبية ويجبرها علي الاستيراد بالأسعار العالمية المرتفعة بما يوضح ان دعم مدخلات الانتاج لصالح الدولة أولا قبل أن يكون لصالح الفلاح.
تأتي بعد ذلك قضايا بنوك الائتمان والاعتماد الزراعي والتي حولها أحمد نظيف للأسف إلي بنوك تجارية وليست بنوكا زراعية ولا بنوك للفلاحين وبالتالي أصبحت قروضها عبئا كبيرا علي المزارعين كما انها أصبحت تقوم بالإقراض المالي فقط للمزارعين بدلا من توفيرها لمستلزمات الانتاج سابقا خصما من توريد المزارعين للمحصول للدولة وقت ان كان بنكا للتسليف الزراعي وللقرض الحسن فأصبح بنكا بلا قلب وبلا رحمة ولا هو بنكا للفقراء وأصبح هناك مئات الآلاف من المزارعين تحت تهديد الأحكام القضائية ومصادرة أراضيهم علي الرغم من ان المنظمات الدولية تعطي لمصر القروض الزراعية بنسبة لا تزيد علي 1% لمساعدة الفقراء والملكيات الصغيرة علي زيادة الانتاج وهي التي يعول عليها في زيادة الانتاج في الدول النامية لأنها تمثل أكثر من 90% من الملكيات ومازال انتاجها منخفضا بسبب الفقر والعوز.
تأتي مشكلة التعدي والبناء علي الأراضي الزراعية كأحد أسباب تراجع انتاج الغذاء في مصر وزيادة استيراده وان المعدلات الحالية لفقدان 30 ألف فدان سنوياً تهدد باختفاء الأراضي الزراعية خلال جيلين قادمين وينبغي التصدي لها تماما.