يتهيأ المسلمون فى الأيام المقبلة لاستقبال شهر رمضان المعظم، الذى فيه ليلة خير من ألف شهر، ولقد ميزه الله تعالى واختصه بنزول القرآن الكريم دون غيره من الشهور، كما اختصه بفضائل وبركات لم تكن لغيره من شهور العام، ليكون مجالاً للسبق وتدارك الفائت من الأعمال والأوقات، ففيه من الرأفة والبركات والنعم والخيرات والعتق من النيران والغفران ما يربو على بقية شهور العام، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، ففيه نزل القرآن الكريم، تلك المعجزة الخالدة الدالة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مر السنين، التى حوت القوانين المنظمة للكون، والتى يصلح تطبيقها لكل زمان ومكان، وتشريف الشهر لم يقف عند نزول القرآن فيه فحسب، بل اختاره الله لإنزال غيره من الكتب السماوية، فقال صلى الله عليه وسلم: «أُنْزِلَتْ صحفُ إبراهيم فى أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لِسِتٍّ مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقانُ لأربع وعشرين خلت من رمضان»، قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن تكون ليلة القدر فى تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل فى اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أولُ سورة العلق.
وحقيقة على الأمة الإسلامية أن تحتفى بهذا الشهر العظيم بل الكون كله، لعظم منزلته، ففيه تفتح أبواب الخير وتغلق أبواب الشر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة وغُلِّقَتْ أبواب النار وصُفِّدت الشياطين»، فهو شهر الخير والبركة والمغفرة والتجاوز عن الذنوب وغفرانهام، ونظرًا لكثرة فضائل الشهر الكريم وما تنزل فيه من رحمات فقد حثَّنا الشرع الشريف على الإكثار فيه من الطاعات واجتناب المعاصى والذنوب، والمداومة على ملازمة القرآن وكثرة تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} وناشئة الليل هى تلك النفوس التى يربيها الليل وينشِّئها على قرآنه، فتكون نفوسًا صادقة استمدت نورها من القرآن، فأصبحت أكثر ثباتًا وتأثيرًا، وأكثر وعيًا وإدراكًا، وأكثر نجاحًا فى مسعاها، فالقرآن يجعل نفس الإنسان وقلبه وجوارحه أكثر اتساقًا وانسجامًا مع بعضها البعض.
كما أن الصدقة من أعظم الأعمال التى يُثاب عليها المسلم فى رمضان، لبركتها على صاحبها وأهله وعلى كل من يساهم فيها بوجه من الوجوه، فيعمهم الثواب والخير، فعن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصدقة صدقة فى رمضان»، لذا فقد «كان رسول الله أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة فى رمضان فيدارسه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة»، والريح المرسلة خيرها بلا حدود، يعم القريب والبعيد، فلا يقتصر على فرد دون فرد أو جماعة دون جماعة، وهذا كان خُلُق النبى يعطى عطاء من لا يخشى الفقر، وكما أن على المؤمن فى رمضان أن يقتدى بالنبى، حيث يزهد فى الدنيا ويرغب فى الآخرة ويرق للضعفاء؛ فشهر رمضان هو شهر الزهد والصفاء الروحى، كما أن عليه أن يجود بما فى يده ويطلق لها العنان فى الإنفاق، فقد سئل النبى أَى الصدقة أفضل؟ قال: «صدقة فى رمضان».
ولفضل هذا الشهر العظيم وعموم الرحمة فيه وكثرة المنن التى يمنها الله تعالى على الأمة الإسلامية، فمن حقنا أن نهنئ بعضنا بعضًا بقدومه، والتهنئة بالأعياد والشهور المباركة والمناسبات السعيدة مشروعة ومندوب إليها، قال تعالى: {قل بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، والتهنئة مظهر من مظاهر الفرح، وكان النبى يهنئ أصحابه بقدوم شهر رمضان، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: «كان الرسول يبشر أصحابه ويقول: «أتاكم رمضان، شهر مبارك». فكل عام والأمة العربية والإسلامية بخير ويُمْنٍ وبركات.
نقلا عن اليوم السابع