بعد أن مزق وزير الدفاع الإسرائيلى عزرا وايزمان إعلاناً كان معلقاً على الحائط بمكتب رئيس الوزراء بيجين مكتوباً عليه كلمة «السلام» أصبحت حركة السلام الآن على يقين من صحة تشككها فى بيجين، ومن ثم عقدت ثمانية اجتماعات فى قاعات كبرى فى مدن إسرائيل لتشرح بالتفصيل خططها من أجل السلام، وإذا بالتوقيعات على خطاب السلام تزداد حتى وصلت إلى 100000، وإذا بوسائل الإعلام تدعم هذه الظاهرة الجماهيرية بصور مثيرة للمشاعر الإنسانية. إلا أن بيجين وأتباعه من الجناح اليمينى المتطرف لم ييأسوا بل حاولوا حشد الجماهير فى حركة مضادة إلا أن المحاولة فشلت. ومع ذلك فقد نجحت حركة جوش أمونيم الأصولية بالتعاون مع وزير الزراعة آرييل شارون فى بناء اثنتى عشرة مستوطنة جديدة فى الضفة الغربية بالقرب من المعسكرات الأردنية المهجورة. وبعد ذلك نجح شارون فى الضغط على بيجين سراً لبناء خمس مستوطنات جديدة. ومع ذلك فقد نجحت حركة السلام فى فضح هذه الخطط سواء المعلنة أو السرية. ومن هنا أصبحت الحركة على وعى بقوتها المتنامية وكان ذلك فى صيف عام 1978.
وعندئذ تحرك الرئيس الأمريكى جيمى كارتر ودعا إلى عقد اجتماع بين بيجين والسادات فى كامب ديفيد، وقال فى حينها: «إن التنازلات إجبارية، وبدونها لا تقدم، ومن هنا تكون المرونة جوهر أمانينا». ومن هنا قيل إن نتائج قمة كامب ديفيد لم تكن واضحة لا بالنسبة لأعضاء الوفد الإسرائيلى ولا بالنسبة للشعب الإسرائيلى. ومن هنا أيضاً حاولت الحركة تدليك قلب بيجين لدفعه نحو التنازلات لمنع هذا الجهد الدرامى من مواجهة الفشل. وبناء عليه نظمت الحركة فى سبتمبر 1978 مظاهرة وداع للوفد الإسرائيلى المتجه إلى وشنطن. وقد أيدتها الجماهير من أجل تدعيم بيجين وإنجاح المفاوضات، ولهذا كان شعارها «يا بيجين.. ارحل بسلام وعُد ومعك السلام». أما اليهود الذين فى الشتات فقالوا لبيجين: «قل نعم». وبعد عدة شهور من توقيع اتفاقية كامب ديفيد بعث بيجين برسالة إلى الأديب المرموق آموس عوز جاء فيها أنه لم يتوقف لحظة عن التفكير فى الجماهير الزاحفة وهى تقول له «عُد إلى وطنك باتفاقية سلام».
واللافت للانتباه فى هذه الاتفاقية أنها تضمنت تنازلات مؤلمة لم تكن فى الحسبان: موافقة بيجين على الانسحاب من كل سيناء مع ما فيها من مطارات ومدن إسرائيلية، وموافقة السادات على عقد سلام منفرد مع إسرائيل. ويعلق موردخاى بار – أون مؤلف كتاب «بحثاً عن السلام» قائلاً إن كلاً من بيجين والسادات كان واهماً فى أن هذه التنازلات يمكن استعادتها مع تطور الأحداث، وهو ما لم يحدث. أما حركة السلام فقد توهمت أن دورها قد انتهى وهو ما لم يحدث أيضاً. ومن هنا دخلت اتفاقية كامب ديفيد فى أزمة ثلاثية الأبعاد. فقد ربط السادات بين المسألة الفلسطينية وبين تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وهو ربط لم يكن وارداً لدى بيجين. أما بيجين فقد استأنف بناء مستوطنات جديدة استناداً إلى توهمه أن الاستئناف يبدأ بعد مرور ثلاثة شهور فقط بعد اعتماد الاتفاقية وهو أمر لم يكن وارداً لدى السادات. أما حركة السلام فقد واجهت إدانة للاتفاقية من قبل الفلسطينيين وهو أمر لم يكن وارداً لدى الحركة لأنها كانت متوهمة أن الاتفاقية هى نقطة البداية لنضال من أجل مولد «دولة فلسطين المستقلة».
والسؤال بعد ذلك:
ماذا كان موقف أمريكا من الأزمة؟
أخرج عن النص لأجيب.
نقلا عن المصري اليوم