الأقباط متحدون - احذروا حرب الزبالين ضد الدولة والمجتمع
أخر تحديث ١٨:٥١ | السبت ٦ يونيو ٢٠١٥ | ٢٩بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٨٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

احذروا حرب الزبالين ضد الدولة والمجتمع

سعد الدين ابراهيم
سعد الدين ابراهيم

 منذ عدة أسابيع فجّر المستشار محفوظ صابر قضية الاعتبارات الطبقية فى اختيار أفراد النيابة، وهى السلّم الأول للسُلطة القضائية، حيث استبعد الرجل أن يكون ابن الزبال (أى جامع القمامة) عضواً فى تلك السُلطة، مهما كان تفوقه الدراسى وتقديراته النهائية من كُليات الحقوق. وقد عاد موضوع الزبالة والزبالين إلى ساحة الجدل، بعد حادث الصدام بين قوة للبوليس يقودها معاون قسم شرطة منشية ناصر، وسُكان منشية ناصر، التى يعيش فيها حوالى نصف مليون من المُعذبين فى الأرض.

 
ومنشأة ناصر، لمن لا يعرف الجغرافيا الحضرية لمدينة القاهرة الكُبرى، هى حى سكنى عشوائى، يتجاوز عُمره الآن ستين عاماً، واستقر به مُهاجرون وفدوا إلى القاهرة من واحات الصحراء الغربية، ومن محافظات الوجه القبلى. وظلت منشأة ناصر كغيرها من حوالى عشرين منطقة عشوائية، داخل وعلى حواف القاهرة الكُبرى، مجهولة لمؤسسات الدولة المصرية، بما فيها وزارة الداخلية والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن نشرت عالمة الاجتماع الأمريكية جانيت أبولغد كتاباً ذاع صيته فيما بعد، بعنوان «القاهرة فى ألف عام»، فى منتصف ستينيات القرن العشرين.
 
وفى ذلك الكتاب نبّهت جانيت أبولغد المُهتمين بالشؤون الحضرية والاجتماعية، إلى وجود تجمعات وتكوينات بشرية كبيرة لا يراها المسؤولون فى الدولة المصرية ـ ومنها «مدينة الموتى»، ومنشأة ناصر، فى جنوب شرق القاهرة، وعزب المُفتى، والوحدة، والأباصيرى فى شمال غرب القاهرة، أى على أطراف محافظة الجيزة.
 
وللأمانة العلمية التقط الخيط من جانيت أبولغد، عالم اجتماع مصرى شاب (وقتها) هو د. شريف الحكيم، وهو الذى اكتشف وعلمنا الكثير حول سُكان منشأة ناصر. فهم كما سبقت الإشارة كانوا من المُهاجرين الجُدد، الذين أتوا من واحات الصحراء الغربية، بلا تعليم أو مهارات مهنية حديثة تمكّنهم من الالتحاق بقوة العمل فى الصناعة أو الحِرف أو التجارة، فاشتغلوا فى جمع القمامة من أحياء القاهرة السكنية الراقية، مثل الزمالك وجاردن سيتى، ومصر الجديدة. وكانوا ينقلون تلك القمامة على عربات خشبية بدائية، يجر كل منها حماران، يعود بها الزبالون إلى المنطقة الوحيدة التى كانت خالية، نسبياً من المساكن المأهولة، عند سفح جبل المقطم، بمُحاذاة طريق صالح سالم.
 
وساعدهم على اكتشاف واحتلال تلك البقعة، عند سفح جبل المقطم، تمهيد ورصف طريق واسع، يمتد من شرق القاهرة إلى غربها، ويمر بالقرب من أحياء المدينة القديمة ـ الجمالية، والأزهر، والحلمية، والقلعة، والسيدة عائشة، والسيدة نفيسة.
 
ولما كانت تلك الأحياء القديمة مأهولة، بل مُكتظة بالسُكان، لم يجد المُهاجرون الجُدد، الوافدون من الواحات، أمكنة للسكن غير المقابر المهجورة. ولم يجدوا لعربات القمامة والحمير التى تجرّها، وللقمامة التى يجمعونها، إلا سفح الجبل، فشغلوه، وأطلقوا عليه اسم منشية ناصر، أملاً أن يكون فى استخدام اسم الرئيس عبدالناصر، ملاذاً لهم من المُطاردة والإجلاء بواسطة سُلطات محافظة القاهرة.
 
وتدريجياً انتقل كثير من جامعى القمامة عبر طريق صلاح سالم، إلى سفح جبل المقطم، أى منشية ناصر، ليعيشوا مع عربات القمامة والحمير التى تجرها. واكتشفوا تدريجياً أن القمامة التى يجمعونها من الأحياء الراقية وتحتوى على فضلات القمامة صالحة الاستخدام الآدمى أو كغذاء لحيواناتهم وطيورهم. كما اكتشفوا أن تلك القمامة تحتوى على نفايات غير عضوية، قابلة لإعادة الاستخدام ـ مثل الزجاج والأحذية والملابس القديمة، والأساس، والأجهزة الكهربائية القديمة.
 
فأصبح فرز وتصنيف الزبالة نشاطاً تجارياً مُجزياً، حيث يمكن تسويقها فى وكالة البلح، وفى أسواق أخرى على أطراف القاهرة.
 
وباختصار، أصبحت منشية ناصر كتلة سكنية كبيرة، بدأت مؤسسة فورد الأمريكية، ود. ليلى إسكندر، وزيرة التطوير الحضارى والعشوائيات، وبعض منظمات المجتمع المدنى الخدمية، تقدم لسُكانها تسهيلات تسويقية واتصالية. ثم اكتشف السياسيون أن منشية ناصر تضم ما يكفى من مواطنين بالغين مؤهلين ككتلة تصويتية للبرلمان. وطالب السُكان فى المُقابل بإنشاء مدارس، وأقسام للبوليس، ومؤسسات خدمية أخرى.
 
ولكن الأهم لموضوعنا هو أن سُكان منشية ناصر شاركوا بكثافة فى أحداث ثورة 25 يناير، أى أنهم كسروا جِدار الخوف من السُلطة، وأصبحوا يعتزون بذواتهم، ويتوقعون أن يحترمهم الآخرون، سواء كانوا مواطنين أو كانوا مسؤولين.
 
ولكن من الواضح، حسب ما نقلت إلينا وسائل الإعلام، أن بعض المسؤولين، مثل وزير العدل السابق محفوظ صابر، ومعاون قسم شرطة منشية ناصر، لم يدركوا أبعاد وأعماق هذا التغير فى قلوب وعقول المواطنين. فظلوا ينظرون إليهم ويتعاملون معهم «كرعاع» أو كزبالة.
 
وقد فقد الوزير منصبه نتيجة عدوانه اللفظى على أبناء الزبالين. وكاد عميد الشرطة يفقد حياته لتجاوزه فى التعامل اللفظى والسلوكى مع شباب منشية ناصر، لولا رحمة الله وشهامة الأب سمعان، الذى أنقذ الضابط من براثن الشباب الغاضب وحمايته فى الدير، إلى أن هدأت العاصفة.
 
ولكن ذلك الحادث مُرشح للتكرار فى أمكنة أخرى. لذلك أوجه فى نهاية مقالى هذا النداء، إلى كل من يهمهم الأمر ـ وفى مقدمتهم رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزير الداخلية، أن يطلبوا المشروع الذى قدمناه إلى وزير الداخلية الأسبق اللواء منصور عيسوى فى ربيع 2011، لإصلاح جهاز الشُرطة، الذى يتوقع كل ضابط فيه من رُتبة مُلازم إلى رُتبة لواء أن يُلقبه المواطنون بالباشا، وأن يعاملوه كباشا. ولكل من هو دون عُمر الستين سنة، كانت هناك طبقة تملك مصر ومن عليها، أرضاً وبشراً، هى طبقة الباشوات، إلى أن اقتلعتهم ثورة يوليو 1952، التى ألغت الملكية، ومعها طبقة الباشوات وكل الألقاب المدنيةـ مثل باشا، وبك، وأفندى.
 
ولكن مع نهاية حقبة الرئيس الراحل أنور السادات (1970-1981) بدأت موجة من الحنين لمظاهر ومباهج العصر الملكى لأسرة محمد على باشا الكبير. ودعّم هذا الحنين سلسلة من الأعمال الدرامية الرمضانية، التى التزمت الأمانة والموضوعية من حيث المادة التاريخية، مثل ليالى الحلمية، وهوانم جاردن سيتى، وزيزينيا، وإن كان الإبهار فى إنتاجها قد أسبغ عليها رومانسية كان المصريون قد افتقدوها منذ نكسة 1967.
 
ولكن ضمن هذا الحنين جانبا سلبيا، وهو عودة الألقاب الملكية السابقة، فى تخاطب المواطنين مع الوزراء ورجال الجيش والشُرطة. ويُخبرنى أقاربى ممن يلتحقون بالكُليات العسكرية، أنهم يتوقعون أن يُخاطبهم المواطنون بعد تخرجهم مُباشرة، أى وهم فى رُتبة مُلازم، بالباشا، بكل ما ينطوى عليه ذلك من شعور بالأنا الأعلى، عند الضابط، والأنا الأسفل، عند المواطن المدنى. فما بالنا إذا كان هذا الأخير يعيش فى منطقة شعبية غاية فى التواضع، مثل منطقة الزبالين فى منشية ناصر. إن المواطن الذى صفعه ذلك الضابط، هو بالقطع ضحية لعودة الغطرسة والخيلاء التى كانت سائدة فى عهود بائدة.
 
ولكنى أعتبر الضابط نفسه ضحية بدوره لمؤسسة أمنية ترفض فى أعماق أعماقها، أن تعترف بأن مصر قد شهدت ثورتين أبهرتا العالم، وكسرتا جِدار الخوف من السُلطة عند أغلبية المصريين. فيا داخلية، يا وزارة كل الوزارات، تواضعى، وعلى أبنائك من الضباط، أن يتواضعوا، وأن يُعاملوا المواطنين باحترام، حتى يُبادلهم المواطنون الاحترام.
 
اللهم قد بلغت... اللهم فاشهد..
 
وعلى الله قصد السبيل.
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع