مينا ملاك عازر
لم يستقل بلاتر من رئاسة الفيفا لإقناع ابنته له بذلك ولا لأنه شعر فجأة أنه عاجز كما أنه لم يستقل تاركاً الفيفا تبحث عن رئيس لها لكنه استقال بعد أن نجح في الانتخابات الأخيرة ليضع نفسه في محل الرئيس حتى أقرب جمعية عمومية يكون خلال تلك الفترة قد دبر نفسه واختار رئيساً مناسباً يحل محله، ينفذ خططه، ويتمم  ما أراده بلاتر، محنك يعرف كيف يقفز من المركب ومتى وبأي طريقة، أدرك أن استقالته قبل الانتخابات أو قل انسحابه منها ستجعله منسحب تحت ضغوط جماهيرية في ميدان الفيفا، فقرر أن ينسحب على طريقته، يتنحى بشروطه ويسلم السلطة لمن يريد للمجلس الذي يراه مناسباً، فيغطي عليه ويؤمنه ويبقه في مكانه آمناً.

أرجوك لا تشعر أن الفقرة السابقة تلقيح على أي أحد، فأنا لا ألمح لشيء، فما تقدم هي الحقيقة الواقعة في سويسرا، السويسري بلاتر استقال وتوقيت استقالته أثار لغط بالغ لكن ما تقدم كان تحليل لتوقيت استقالة السيد بلاتر وليس لاستقالة أو تنحي أي أحد غيره.

على كل حال، كثير من الفاسدين والفاشلين والذين لم يستطيعوا إحكام قبضتهم على مناصبهم وضبط الأمور في ما يتعلق بمرؤوسيهم استقالوا في توقيتات رديئة لم تجنبهم ويلات المحاسبة، وكثيرون استقالوا في توقيتات رديئة لكنهم سلموا الحكم لمن يحميهم ويأمن لهم البقاء، وكثيرون لم يستقيلوا للآن، للآن لأنهم طامعين ويتمسكون بمناصبهم رغم أن ذلك فيه خراب لبلادهم، وهناك من ماتوا دون أن يستقيلوا لأن صعب عليهم التنحي وماتوا حينها أشنع ميتة.

استقالة الفاسد في بلادنا لا تحدث، الذي استقال مؤخراً شخص جريء قال الحقيقة في عين البلد، وهو وزير العدل السابق لكن من يفسدون ويكذبون يبقون لأنهم يجيدون المراوغة، والقفز من فوق أسوار الحقيقة ليكذبوا لكن الأمريكيون وقفوا لبلاتر بالمرصاد، ووضعوه في خانة اليك، وكان عليه الاستقالة بيده لا بيد الأمريكيين، فاستقال بعد أن وضع لنفسه خارطة طريق لتأمين نفسه ومن حوله، فهل يفلح بلاتر في خطته اللعينة هذه أم تفلح أمريكا ومن معها في كشف المزيد من الفساد حتى تأتي قدمه للمنزلق الذي يحاول الفرار منه، هل يفلح بلاتر في إتيان بشخص مثله يخلفه؟ السؤال الأهم لماذا لم ينفذ بلاتر أثناء ولايته للفيفا أي من أفكاره التي طرحها في بيانه الأخير، أفكاره المتعلقة بالمكتب الفني ومدة بقاءه كرئيس للفيفا لدورة واحدة، لماذا لم يقلص بلاتر من صلاحيات أعضاء المكتب الفني؟ لماذا لم يستقل من نفسه بعد أول أو ثاني دورة؟ واكتفى بما جرى في النهر من مياه، لماذا يطالب بأن يتم الان هذا؟ هل لأنه غير واثق في نجاح خطته؟ هل لأنه يريد أن يظهر بمظهر الحكيم المحنك المتعظ والذي أخذ عبرة مما جرى أم أنه يحرج من سيأتي بعده أي يهد المعبد عليه وعلى أعداءه، كل هذه التساؤلات ستجيب عليها الأيام ونعرفها إن عشنا وكان لنا عمر.