د. ممدوح حليم
تمر اليوم ذكرى حدث أليم مفصلي في تاريخ مصر كان بداية لتدهور الأوضاع بها على كافة الأصعدة هي هزيمة 5 يونيو والتي عرفت محليا ً بالنكسة تخفيفا ً للحقيقة، وتعرف عالميا ً بحرب الأيام الستة.
وكانت مصر قد عرفت طريقها نحو الحداثة من خلال محمد علي وأسرته التي تولت الحكم منذ مطلع القرن ال19، ورأت أن نهضة مصر تكمن في ربطها بالحضارة الغربية الأوربية.
و في أوائل القرن العشرين، ظهرت حركة التمصير على يد طلعت حرب وغيره، كما قاد سعد زغلول فكرة القومية المصرية لتصبح مصر وطنا لكل المصريين.
وفي تلك الفترة وقبلها ظهرت حركة متعصبة تنادي بعودة مصر للجامعة الإسلامية أي العالم الإسلامي على يد مصطفى كامل و عرابي و محمد فريد الذين رفضوا ربط مصر بأوربا من منطلق ديني.
وفي كل الأحوال ظلت مصر في صفوف البلاد المتحضرة القوية اقتصاديا ً، إلى أن حدث انقلاب 23 يوليو العسكري الذي سايره الشعب المصري الذي يجاري كل الأنظمة ولما رآه من فوائد للطبقات المتوسطة والفقيرة على حساب الأغنياء كما هرب الأجانب وانحسرت مصر في أبنائها واتجهت إلى المعسكر الاشتراكي الشرقي.
والحق أن فترة عبد الناصر لم تكن سيئة بل كان التعليم الحكومي رائعا وكل شيء رخيص والفن رفيع المستوى والثقافة متوافرة والاحترام في المجتمع سائد ومظاهر التعصب محدودة. كما أنجبت مصر علماء وكان مستوى خريج الجامعات عاليا ً.
بدأ كل شيء ينهار بعد هزيمة يونيو، وانصرف اقتصاد مصر للحرب، بدأ الخراب يظهر في مطلع السبعينات بعد وصول السادات للحكم حيث بدأ الشعب المصري يستمع أغاني أحمد عدوية بما فيها من ابتذال بعد أن كان يستمع لقصائد أغاني أم كلثوم، وظهرت مسرحية مدرسة المشاغبين لتؤرخ لبداية انهيار التعليم تدريجيا، وعرف الشعب الانفتاح الاقتصادي الانتهازي والسفر للسعودية لتتغير شخصيته ويتسعود دينيا ً رافضا الآخر مع شيء من الخوف والأنانية.
لقد حدث التدهور جليا ً في السبعينات بعد حرب أكتوبر وما تلاها من مزيد من التدهور الاقتصادي وارتفاع سعر البترول وانفتاح، وكل ذلك كان تبعات لهزيمة 67 التي انطوت على هزيمة للشخصية المصرية قبل أن تكون هزيمة عسكرية وسياسية واقتصادية.
ضاعت مع سيناء في هذه الحرب أحلام متوسطي الحال من شعب مصر في حياة كريمة، وصار الهدف استرداد المسلوب، انكسر الكبرياء وساد الضياع. ظلت الأمة متماسكة في وجود عبد الناصر الذي كان بمثابة الأب، رحل عبد الناصر وجاء السادات لينهار المتماسك ويظهر التدهور تدريجيا ً لنصل إلى ما وصلنا إليه من تخلف وتدهور.