لا خلاف على حق أى متدين فى الدفاع عن دينه، لكن الدفاع الحق عن الدين يكون بالقدوة الحسنة، وليس برفع القضايا، ومطاردة من يظن أنهم يسيئون لمعتقداتهم فى المحاكم أو فى الشوارع. وحقيقة الأمر فإن مصطلح «ازدراء الأديان» الذى يُستخدم فى اتهام من يحاولون التغريد خارج السرب العام للتفكير المسيطر على المتدينين أصبح من الواجب تحليله ومراجعته. ففارق كبير بين أن ينال إنسان من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الثابتة التى لا تتناقض مع النص القرآنى الحاكم، وبين أن ينقد أفكاراً أنتجها المتدينون. فارق كبير بين أن ينال إنسان من القرآن الكريم، وبين أن يتوقف ليمحص ويحلل نصوصاً أنتجها بشر فى سياقات زمنية معينة، ربما كانت صالحة لأهل هذا الزمان، لكنها لم تعد مفيدة الآن بسبب دخول البشر فى أطوار ومراحل جديدة، والتطور كما هو معلوم سنة من سنن الله فى خلقه: «كل يوم هو فى شأن».
ازدراء الأديان يعنى النيل من مقدساتها السماوية، أما الاجتهادات البشرية التى أُنتجت على هامش هذه المقدسات فقابل للنقد، وحقيقة الأمر فإن تقديس ما هو بشرى وإضفاء صفة «الدين» عليه هو جوهر مفهوم ازدراء الأديان، أما غربلة البشرى قياساً على المقدس، فهو جانب من جوانب احترام الدين. وبالتالى فأى شخص يطارد غيره بتهمة ازدراء الأديان لمجرد أنه أعمل عقله وفكره فى نصوص بشرية، فقبل منها ورفض، هو الجدير بالمحاكمة بازدراء الأديان، بسبب مساواته بين ما هو مقدس وما هو بشرى.
إننى أستغرب أشد الاستغراب ممن يحصرون معنى ازدراء الأديان فى خانة «التطاول بالتفكير»! وأتعجب من انصراف هؤلاء عن أشكال حقيقية لازدراء الدين تتم أمامهم ليل نهار دون أن يحركوا ساكناً، ففى كل ركن من أركان حياتنا بدءاً من السياسة ومروراً بالعلاقات الاجتماعية وانتهاء بكرة القدم يمارس البعض سلوكيات تحمل نوعاً من الازدراء للدين. فماذا يعنى توظيف فرد أو مؤسسة أو جماعة للدين من أجل حصد مكاسب أو مغانم سياسية غير ازدراء الدين؟ هل يصح أن تكون الأديان مادة للدعاية السياسية، هل يليق بإنسان أن يعتبر نفسه متحدثاً باسم السماء فوق تراب الأرض؟ تعال إلى حياتنا الاجتماعية أيضاً لترى أن «الحلف» بأغلظ الأيمان هو الوسيلة الأساسية التى يستند إليها البعض فى إقناع غيرهم بأكاذيب، وعبارة «إن شاء الله» هى الأكثر استخداماً فى المواقف التى يريد فيها شخص أن يفلت أو «يزوغ» من آخر فى فعل ما يطلبه منه، واللحية و«الزبيبة» هما أدوات النصب والغش التجارى وتحلية البضاعة. انتقل أخيراً إلى مجال مثل كرة القدم وحدثنى عن هذا اللاعب أو ذاك الذى يجيد الحصول على ركلات الجزاء بالتمثيل على الحكام، وبعد أن يسجل منها هدفاً يخر لله ساجداً على الهدف الذى وفّقه الله فى إحرازه بالسرقة!
تلك وغيرها هى الصور الحقيقية لازدراء الإسلام التى يجب أن يواجهها من يخافون على الدين والمتدينين، ليس من خلال الملاحقات القضائية بالطبع، ولكن من خلال تفعيل أدوات حقيقية -مثل مؤسسات التعليم والإعلام- لتنقية العقل المسلم مما علق به من شوائب. الطريق بسيط، أن تفهم المدرسة والجامعة أنها مؤسسات تعليم لا «تجهيل»، وأن يستوعب القائمون على الإعلام أن شغلتهم «التنوير» وليس «التضليل»!
نقلا عن الوطن