الأقباط متحدون - ثمن الربيع
أخر تحديث ١٤:١٢ | الثلاثاء ٢ يونيو ٢٠١٥ | ٢٥بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٧٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ثمن الربيع

عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد

 فى عام ٢٠٠٦ نشرت كتابا بعنوان «ثمن الإصلاح.. أهمية التفكير الجاد فى مستقبل مصر»، جمعت فيه كل الأفكار التى كتبتها خلال سنوات ماضية عن تقويم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى البلاد، ووضعها على الطريق نحو العصر الحديث. ويبدو أن خيبة الأمل من بطء التقدم قد حفزتنى مرة أخرى لكى أتناول الموضوع من زاوية أخرى، وهى أن الأفكار وحدها لا تكفى، وإنما لابد «للساسة» أن يحملوها إلى عالم التطبيق، فأصدرت كتابا آخر عام ٢٠١٠ بعنوان «إصلاح الساسة: الحزب الوطنى، الإخوان، والليبراليون». فلم يكن كافيا أن تكون هناك أفكار جيدة، وإنما ما لا يقل عن ذلك أهمية، أن يكون هناك رجال يحملونها على عاتقهم؛ وكان الظن ساعتها أن الطبقة السياسية- إذا جاز التعبير- تحتاج هى الأخرى إلى الإصلاح حتى تكتمل المنظومة التى تأخذ مصر من واقعها غير المقبول إلى حقيقة أخرى مرغوبة ومطلوبة.

 
كان جوهر الأفكار هنا وهناك مشتقا من الفلسفة الليبرالية الإصلاحية التى هى من ناحية مع التغيير الدائم القائم على التوافق ودعم الطبقة الوسطى وعصرية المؤسسات العامة والتجديد السلمى للسلطة السياسية، ولكنه يضعها من ناحية أخرى خصما للجمود الذى لا يريد الحركة من المكان، وللثورة التى قد تكسر الدولة كلها وربما تؤخرها لسنوات وعقود قادمة إذا ما وقعت فى يد قوى رجعية ومتخلفة. وعلى أى الأحوال فقد ثبت أن هذا المنهج لم يلق نجاحا، لا فى مصر ولا فى بلدان عربية أخرى ما لبث «الربيع العربى» أن عصف بها بدرجات مختلفة من العنف. ولكن «ثمن الربيع» بعد أربع سنوات من الثورات المتتابعة كان هائلا، إذ خلفت الصراعات المسلحة الناجمة عن الثورات العربية خسائر بشرية ضخمة بين قتلى، وجرحى، ومفقودين، ونازحين. فوفقاً لأحد التقديرات غير الرسمية المعتمدة على البيانات الصادرة من الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية، ونقل عنها د. محمد عز العرب فى ورقة هامة تحت عنوان “تحولات الصراعات الداخلية المسلحة بعد الثورات فى الإقليم”، وعرضها فى حلقة نقاشية فى المركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة مؤخرا، فقد بلغ إجمالى أعداد القتلى من جراء التوترات السياسية التى تلت الربيع العربى وحتى نهاية «إبريل ٢٠١٥» ٤٣٠،٢٠٠ شخص من بينهم ٢٠٠ ألف فى سوريا وحدها، و١٦٠ ألفا فى العراق، و٥٠ ألفا فى ليبيا، و١١ ألفا فى اليمن، و٤٥٠٠ فى مصر، و٢٨٠٠ فى البحرين، و٤٠٠ فى لبنان، و٢١٩ فى تونس. وعلى صعيد الجرحى والمصابين فقد بلغ عددهم وفقا للورقة ٢،٣٥٩،٧٠٠ من بينهم مليون ومائة ألف سورى، ومليون عراقى، و١٢٠ ألف ليبى، و١٠٠ ألف يمنى، و٢٥ ألفا فى مصر، و١٤٩٢ فى تونس. أما أعداد النازحين واللاجئين من جراء الثورات والنزاعات المسلحة وفقا لتقديرات الأمم المتحدة فهى ١٤ مليونا وثلاثمائة ألف نسمة، حيث يتقدمهم السوريون الذين بلغ عددهم ١٢ مليون نازح ولاجئ سواء إلى الداخل أو إلى دول الجوار، خاصة الأردن وتركيا ولبنان، ثم فى المرتبة الثانية اليمن حيث نزح ما يزيد عن المليون نازح ولاجئ، ثم العراق فى المرتبة الثالثة بمليون نازح ولاجئ، ثم ليبيا بما يقرب من ٣٠٠ ألف لاجئ ونازح.
 
لاحظ هنا أن الخسائر البشرية تشمل دول الربيع العربى، ولا تشمل بقية الصراعات المسلحة التى سبقته، والتى تجعل المجموع الكلى لصراعات منطقة الشرق الأوسط يصل إلى ٧١ صراعا وفقا للورقة المشار لها من قبل، لكن أكثرها نزيفا وفداحة هو ما ذكر أعلاه. كذلك فإنها لا تشير من قريب أو بعيد للخسائر المادية التى تشمل البنية الأساسية ومدنا بأكملها، وتراثا وثقافة فى متاحف مسروقة وآثارا مدمرة، خاصة بعد أن دخل على خط الثورة والربيع جماعات من نوعية «داعش» و«القاعدة» و«بيت المقدس» ومؤخرا «البلاك بلوك أو الكتلة السوداء». بقى بعد ذلك كله فى «ثمن الربيع» تكلفة الفرصة الضائعة، والتى تعنى استغلال الفترة الزمنية ذاتها وفقا لذات الإمكانيات المتاحة فى تحقيق أهداف أخرى لا تتعلق بالقتل والترويع، وإنما بالبناء والتعمير.
 
وهكذا لا توجد مبالغة فى أن ثمن الربيع كان فادحا بكل المقاييس، ولكن لحسن الحظ أو لسوئه، فإننا لا نملك أن نصنع التاريخ مرتين: مرة بعد القيام بثورة أو ثورات، ومرة بدونهما؛ وما حدث كان لابد له أن يحدث لأنه كان هناك أسباب كافية لكى يحدث ما جرى من انفجار. مثل هذا الاختيار ليس متاحا، ولكن أسوأ ما يمكن حدوثه، هو أنه رغم الثمن الفادح فإن الأوضاع تبقى على ما هى عليه أو تكون أكثر سوءا بالضرورة ولكننا مصممون على التفكير بنفس الطريقة التى عرفناها من قبل، وربما قادت إلى النتيجة التى نراها بالفعل. وفى أوساط الشباب، ووسائل التواصل الاجتماعى، هناك من يتحدثون عن ثورة أخرى، ثالثة أو رابعة هذه المرة، ولكن أحدا لا يتحدث عما يمكن أن تفعله ثورة إضافية ويكون مختلفا عن الثورات السابقة.
 
ربما لا يوجد مفر من العودة إلى الإصلاح مرة أخرى لكى نعرف أن التغيير ممكن شريطة أن يكون هناك تفكير آخر أو عقلية أخرى تنظر للأمور بطريقة تنقلنا مما نحن فيه إلى طريق جديد. هل يمكن مثلا أن نبدأ عهدا جديدا لا يكون فيه شهر رمضان وامتحانات الثانوية العامة سببا فى شلل البلاد وعجزها عن إنجاز أمور هامة من إجراء الانتخابات العامة، حتى استمرار دوران عجلة الإنتاج فى البلاد. هل يحدث ذلك فى بلدان أخرى أن يتم تجميد شهور وأسابيع ومساحات من الاهتمام والتركيز العام لصالح حالة من الشلل القومى لأن عباد الله الصالحين يقومون بما يجب عليهم من فرائض لا تكون كذلك إلا وكان العمل فريضة هو الآخر. لقد أعجبنى ذلك الحماس الذى حث به رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب وزراءه على ضرورة استمرار وتيرة العمل بنفس الحماس خلال الشهر الفضيل. إذا كان ذلك مصحوبا بإنجازات محددة توقيتاتها لا يقطعها الصوم ولا حالات التلبك المعوى بعد الإفطار، فربما كنا على الطريق الصحيح. أذكر أثناء الحملة الانتخابية للرئيس السيسى أنه ردا على سؤال قال إنه إذا ما فاز فى الانتخابات لن يجعل الشعب المصرى ينام الليل؛ وكان مفهوما أن معنى ذلك عملا يربط النهار بالليل، فهل سيكون الحال كذلك بسبب مشاهدة المسلسلات أم أن المصانع المتوقفة سوف تعمل لثلاث فترات فى اليوم!.
 
هل يمكن أن نفكر بطريقة أخرى فى السياسة المائية، وبدلا من أن يكون لدينا سياسة لإدارة التصرف فى مياه النيل، يكون لدينا سياسة شاملة للحصول على المياه من الأرض والبحر، مع إنصاف النيل نفسه باستخدام مياهه لمرات عديدة. وكذلك الحال فى «السياسة التعليمية» وليس إدارة النظام التعليمى القائم الذى ليس بعيدا عن إدارة الجهل بكثير. وهكذا الحال فيكون لدينا سبيل إلى إدارة الثروة بدلا من إدارة الفقر، ومعالجته مرة بالدعم المباشر، ومرة أخرى من خلال «الكروت الذكية». هناك بالتأكيد أفكار كبرى كثيرة تجعل الإصلاح الحقيقى ممكنا وتدفع الثورة بعيدا.
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع