هل الأقباط أفضل حالاً بعد 1952؟
بقلم: هاني عزيز الجزيري
بداية لابد أن نقرر أن الأقباط منذ دخول المسيحية مصر على يد "مارمرقس" الرسول سنة 61م وهم يعانون من الاضطهاد المستمر.
فالرومان اضطهدوا الأقباط اضطهادًا مستمرًا منذ عهد "ديمتريوس الأول" ثم توالت الاضطهادات حتى عصر "دقلديانوس" -عصر الشهداء 284م- وكانت تتسم هذه الاضطهادات بالوحشية والهمجية، وتبدأ بهدم الكنائس وتدمير المنازل المسيحية وفصل الجنود والموظفين الأقباط ومصادرة الأملاك وتحريم الاجتماعات والقتل في أغلب الأحيان.
وانتهت هذه الفترة باستشهاد البطريرك السابع عشر البابا "بطرس الأول" خاتم الشهداء، حتى جاء "قسطنطين" الملك (324-337م)، وبدأ عصر جديد للمسيحية، وأصدر مرسومًا بتجريم الوثنية، وأكد على أن المسيحية هي الدين الأوحد للدولة، وهذا يؤكد مغالطة الذين يدعون أن في مصر كانت هناك ديانات أخرى غير المسيحية، وأن المسيحيين كانوا أقلية بالنسبة للديانات الأخرى عند دخول الإسلام، ولم يلبث الحال كثيرًا حتى اعتنق الرومان فكر اليعقوبيين.
ورفض الأقباط في مصر هذه البدعة؛ فقامت جولة ثانية من الاضطهاد حتى دخول الإسلام سنة 641م، والحقيقة أن الولاة المسلمين فرضوا ضرائبـًا على المسيحيين في مصر، وأسلم مَن أسلم منهم هربًا من الجزية، ولكن صدر قرارًا آخرًا بفرض الجزية على المسلمين المصريين.
وظل هذا الوضع في نهب خيرات مصر لصالح الخليفة المسلم واضطهاد الأقباط مستمر بطريقة متواصلة، إلا من بعض الفترات التي يرضى فيها الوالي على الأقباط بسبب إحتياجه لهم؛ حتى مجىء الحملة الفرنسية، ثم تولي "محمد علي" الذي نقل شكل الدولة الأوروبية إلى مصر عن طريق مسيحيين أرمن وأوروبيين، وأصبح هناك وزراء ووزارات ثم برلمان.
واستمر الحال هكذا إلى ثورة 1919حينما رُفع شعار "الدين لله والوطن للجميع"، نظرًا لمواقف الأقباط الوطنية ضد الإحتلال في الوقت الذي كان يطالب فيه "مصطفى كامل" بالخضوع للخليفة التركي المسلم ويطالب الشيخ "علي يوسف" بالوقوف مع "تركيا" ضد "إيطاليا" أثناء إحتلالها لـ "ليبيا" وجمع التبرعات لتركيا.
وبسقوط الخلافة التركية على يد "أتاتورك" سنة 1924م، بدأت بذور جماعة الإخوان سنة 1928م.. والفترة الليبرالية التي يتشدق بها البعض حدثت بها أحداث لا تدل على ليبراليتها نهائيـًا؛ مثل دستور 1923 الذي لم يوافق عليه "الملك فؤاد" إلا إذا نص في أحد بنوده على أن دين الدولة الإسلام، والذي كان يحلم أن يكون خليفة للمسلمين.
وكانت مصر تحت الإحتلال والوزارة تتغير أو تسقط كل 24 ساعة بقرار من الملك، أو من رئيس الوزراء، أو من السفارة البريطانية، هذه هي الليبرالية التي يتشدقون بها من 23 إلى 52.
وأيضًا لا ننسى إتفاق "النحاس" مع "حسن البنا" ضد "مكرم عبيد"، وأيضًا الأحداث الطائفية التي حدثت ضد الأقباط في هذه الفترة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر:
· تجديد كنيسة أجا: حيث رفضت الحكومة الترخيص بتجديدها، لأن زاوية أو مسجدًا حديثاً قد بُنيّ بالقرب منها.
· كنيسة بورفؤاد 1940: تم رفض التصريح ببنائها أكثر من مرة بالرغم من إستيفاء جميع الشروط.
· كنيسة كفر الشيخ 1936: طلبت الجمعية القبطية بكفر الشيخ قطعة أرض من أملاك الحكومة لبناء كنيسة عليها؛ فتحركت مصلحة الأملاك في نهاية 1940 طالبة جمع مبلغ 600 جنيهـًأ، فلما جُمع المبلغ وأستوفت الجمعية الشروط قُدم طعن بأن عدد الأقباط قليل، ثم طعن آخر بأن إنشاء الكنيسة يهدد الأمن العام، وطعن ثالث بأن كنيسة سخا قريبة من كفر الشيخ.. فلا داعي من بناء كنيسة أخرى!!
محاولة إحراق كنيسة "ميت دمسيس"
· "كنيسة الحضرة" بالأسكندرية 1947: أحاط الكنيسة بعض المتطرفين وألقوا عليها كتل نار مشتعلة، وقُيد الحادث ضد مجهول!!
· حريق "كنيسة الزقازيق" 27/3/1947: حيث كانت الليلة مُعدة لعظة للسيدات الأقباط؛ فإذا بالمتطرفين يهاجمونهم ويلقون بكرات النار عليهم؛ فبادر الجيران بإلقاء السلالم الخشبية، فإرتقينها ونجون وانتهت فرقة الهجوم بنهب ما تبقى من الكنيسة، ثم نظموا مظاهرة طافت في شوارع المدينة وهتفوا هتافات عدائية ضد الكنيسة والمسيحيين، "اليوم يوم الصهيونية وغدًا يوم المسيحية"، و"اليوم يوم السبت وغدًا يوم الأحد"، وكل هذا تحت سمع وبصر رجال البوليس، وأيضًا لم يُعاقب أحد!!
· وأقسى حوادث العنف كانت إحراق الكنيسة القبطية بالسويس4/1/1952: كانت حادثة بشعة نتج عنها إستشهاد عدد من الأقباط على نحو يتسم بأقسى قدر من البربرية، حيث تم حرق بعض المسيحيين وأُلقوا محترقين في الطرقات وإلقائهم في الكنيسة وإشعال النار فيها، وقد أفلت الجميع من العقاب على مرأى ومسمع من السلطات!!!
بعد قيام الثورة جاء "عبد الناصر" بمشروعه القومي لمصر، لا يفرق بين أبنائها بسبب الدين، ولكن خوف الأقباط من الإصلاح الزراعي وتحديد الملكية والقوانين الإشتراكية، والتي سرت على الكل دون تفرقة، هو الذي جعلهم يتراجعون، وربما أشياء أخرى أثارت مخاوف الأقباط من الثورة؛ مثل تصريحات وقرارات "عبد الناصر" التي لم تحوِ تحيزًا لصالح فئة على حسلب فئة أخرى، وذلك لقوة حكمه ولفكره أيضًا، ولا ننسى الصداقة الحميمة بين "عبد الناصر" و"البابا كيرلس السادس"؛ فقد كان "عبد الناصر" يعتبر الأقباط والكنيسة المصرية كنيسة وطنية وجزءًا متساو مع الآخر بالنسبة لمشروعه الوطني.
ولكن "السادات" جاء ليخرج الجرزان من جحورهم، وليطل علينا شبح التطرف مرة أخرى، وكان يفعل ذلك لضرب الناصريين واليساريين، ولكنه ضرب الدولة بأكملها، بل ضربه هو شخصيًا؛ فمات "السادات" وترك لمصر فكرًا متطرفـًا ما زلنا نكتوي به حتى الآن.
وجاء بعده "مبارك" ليحكم مصر 29 عامًا، واستطاع تجفيف منابع الإرهاب ومنع مصادر تمويلهم، ولكنه لم يمنع الفكر الإرهابي الذي كان محدودًا؛ فاستشرى في الإعلام والتعليم، وسيطرت جماعة الإخوان في عهده على النقابات، وتغلغلت في الأحزاب والصحف، وأصبح الهوّس الديني في عهده مسيطرًا، وترك ملف الأقباط للأمن الذي كان محايدًا في بادىء الأمر وما لبث أن تحول للتطرف بعد إختراقه من الإخوان؛ فأصبح الخطر أكثر من ذي قبل، ناهيك عن إختراق الأفكار المتطرفة وتسللها لبعض الأحكام القضائية.
ومن هنا نرى أن الأقباط مضطهدون إلا في فترات كان الحاكم فيها معتدلاً، ولم ينصلح حالهم بعد ثورة 1952 ولا قبلها، إذا إستثنينا فترة حكم "عبد الناصر".
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :