نبيل المقدس
مصــر هي مقدمة دول العالم التى بدأت تطبيق نظام البلديات "الوحدات المحلية"، وذلك مع إنشاء مجالس المديريات عام 1866 بمرسوم من الخديوي إسماعيل وما تبعه من صدور عشرات القوانين التى تنظم شكل الإدارة المحلية فى مصر، لكن مفهوم النظام المحلى أو «المحليات» تحول بمرور الوقت إلى
مفهوم سيىء السمعة فى مصر، بعد أن ارتبط بالآلاف من قضايا الفساد والرشاوى والإهمال. محاضر التحقيقات تحفل بالعديد من قضايا الفساد فى المحليات فى مصر، ووصل الأمر ذروته فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حتى أن أحد أركان نظام مبارك " ولا داعي لذكر اسمه "اعترف في أحد اجتماعات مجلس الشعب في عهده بأن فساد المحليات «وصل للركب»،
وفى دراسة أعدها ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان عن حجم فساد المحليات فى آخر عشر سنوات، كشفت أن الوحدات المحلية والتى يبلغ عددها 1179 وحدة على مستوى الجمهورية، احتلت المركز الأول فيما يتعلق بقضايا الفساد والرشاوى بين القطاعات المحلية بالمحافظات، وذلك بنسبة %65، بينما وصلت المبالغ المختلسة والرشاوى إلى ما يقرب 3 مليون جنيه في الشهر الواحد.
الفساد عموما له مفهوم واسع مطاطي , لذلك يُنظر إلى الفساد من خلال المفهوم الواسع بأنه هو الإخلال بشرف الوظيفة ومهنيتها والتساهل بالقيم والمعتقدات التي يؤمن بها الشخص. ولا يصح أبدا أن نربط الفساد بالديانة مباشرة .. لكن المشكلة عندنا في مصر أننا نستغل الديانة كتبرير للفساد .. فعندما ترشي موظفا في مؤسسة حكومية فأنت تنظر لها علي أنها مجرد مساعدة للموظف الغلبان .. وتعتبرها صدقة تٌحسب لك حسنة تُضاف علي حسناتك .
نحن لا نجد هذا الفساد الإداري أو الإقتصادي أو التجاري أو التعليمي أو الصحي أو فساد خاص بالإستثمارات في البلدان التي لا تتخذ الديانة مرجعية للسياسة ...
فالتمسك بالإديان بشدة وبقوة هو ما إلا ستار لهؤلاء الفاسدين . كذلك الفساد يرتبط تماما بالإرهاب .. وهذا ما ذقناه في الـ 1400 سنة الماضية .. حيث إنتشر الفساد الأخلاقي التي كانت تتمثل في بعض من الولاة والحكام الذين توارثوا الحكم والسيطرة علي مصر طيلة هذه السنوات .. ! وهنا لا أُسيء إلي مباديء ديانتهم نفسها حاشا .. لكن ما اريد أن أقوله أن الناس أنفسهم يستغلون ويلوون المفاهيم الدينية لمصالحهم الدنيئة , حتي صار الفساد مُقننا وعُرفا .. بل من الشريعة من منطلق التخويف مرة والتحفيز مرة أخري.
الفساد انتشر بطريقة متوحشة بيننا في جميع المؤسسات المصرية .. وعشش في المجالس المحلية , التي تهيمن بطريقة مباشرة علي أهم الإدارات مثل إدارات إستخراج تصاريح البناء أو تخصيص الأراضي ..
فطالما أن الذي يريد أن يقوم بعمارة " إيده فرطة " فيتم له التخصيص والتصريح بالبناء بدون عوائق , ليس مهما أن يشوب البناء بعض المخالفات أو حتي كله مخالف .. ليس من المهم أن يكون عدد الأدوار محتفظة ينسبية عرض الشارع ..
ليس من المهم أن قطعة الأرض التي يتم البناء عليها , مرخصة للبناء أو غير ذلك .. أما هدم المنازل الآيلة للسقوط أو علي وشك الإنهيار.. فحدث ولا حرج عن هؤلاء منعدمي الضمير , فتبدأ المساومة بين مَنْ يهمه الأمر ومع هؤلاء الفاسدين في المحليات... فيسمحون للبيوت التي علي وشك الإنهيار بعدم الهدم .. وربما ايضا يستخرجون تصاريح هدم للبيوت التي تستحق او لا تستحق ...
فساد يتنقل من مكتب إلي مكتب .. ومن جيب إلي جيب .. ومن هيئة إلي أخري ومن جيل إلي جيل حتي يأتينا خبر وقوع البيوت ودفن عشرات من السكان , أو إغتناء فئة من المتوحشين من اصحاب المباني ومن الفاسدين ذوي الجيوب الواسعة والذين يعملون في المحليات .
والغريب أن هناك نسبة كبيرة من موظفي المحليات يعملون لحساب الإرهابيين والسلفيين .. فهم الذين يصرحون بتجهيز اماكن لمدارس الإخوان غير مناسبة للمعايير المصرية والدولية في نظام وتشييد المدارس .. وكله بالفلوس .
اما المشاكل الكبري التي تقابل هذه المحليات هي أولا : استخراج رخص بوفيه , فتتحول بقدرة قادر إلي مقهي روادها من الشباب الضائع .. وواضح أن هذه المشروعات اصبحت الورقة الرابحة لفاسدي المجالس المحلية وأصحاب هذه المقاهي ,
أما المشكلة الثانية هي اكوام الزبالة التي اصبحت رمزا من رموز مصر المحروسة .. وهذه الكارثة إنفجرت بعد إستخدام الدين من خلال القانون الذي صدر من الرئيس السابق حسني مبارك ارضاءً للجماعات الإرهابية التي كانت موجودة كأعضاء في مجلس الشعب .. هذا القانون تركز في ذبح
جميع " الخنازير " طيقا للشريعة و الموجودة في مصر .. جاء هذا القرار وحاز علي 90 % من اصوات مجلس الشعب في ذلك الوقت .. ولأول مرة نجد المحليات تنشط وتهرع في غلق محلات بيع لحوم الخنازير ومنتجاتها .. وخرجت الشرطة تنحر وتحرق بطرق بشعة كل الخنازير الموجودة علي
ارض مصر حالمين أنهم سوف يحظون بنصيب في الجنة بحورياتها وانهارها العسل والخمر .. كان يتم القتل الجماعي لهذه الخنازير في مشهد مقزز وهم يهتفون " الله وأكبر" .. ولا شك ان هذا الأمر يُعتبر إساءة للديانة نحن لا نقبلها لأخوتنا المشاركين معنا في الوطن .. غير أنها وصمة عار أمام
الدول الخارجية . بعد هذه المجزرة وقعت المجالس المحلية في حيص بيص .. فوجدت نفسها امام اتلال واكوام من الزبالة في الشوارع والميادين وفي كل شبر من ارض المحروسة .. فقد علموا اخيرا أن الخنازير كانت العامل الوحيد في التخلص من زبالة البلاد فقد كان غذاء للخنازير .
ياحسرة عليك يا مصر .. إنهيار البيوت , وإنتشار العمارات في المدن بدون دراسة , وسلب الأراضي الزراعية .. وتصقيعها لكي تتحول إلي اراضي بناء ,
وأخطار بالوعات المجاري , وإنتشار عادة مستحدثة وهي إقامة الأفراح والجنازات حتي حفلات الطهور في عرض نهر الشوارع .. غير مبالين بحركة المرور , او الإيذاء السمعي بأجهزة الديجيتال ويظلون في الطرب النشاز حتي الصباح.... كل هذه المصائب من تحت الفساد الذي توغل في جسد المجالس المحلية .
أخيرا وليس بآخر .. سرقة الطاقات الكهربائية من خطوط انارة الشوارع او من علب الكهربا " البواطات" المنتشرة في الشوارع المفتوحة طيلة الأيام .. فهي مسئولية المجالس المحلية مع مباحث الأقسام .
اتمني من الرئاسة أن توجه المحافظين , بتجديد وتطهير هذه المجالس المحلية بسواعد شبابية .. وكم اتمني ان كل مجلس محلي يفتح ابوابه لخريجي كلية السياسة والإقتصاد .. فالمجلس المحلي هو مدرسة حقيقية لتنتج لنا رجالا يعملون في الحقل السياسي والإقتصادي بالإضافة إلي سياسيين لهم دراية في ادارة المؤسسات .
هل من مُجيب ؟؟؟ .... لا أظن ...!!! ... فقد اصبح الفساد جزءً من ضمير شعبها .. إن لم يكن كله !!!.