بقلم : د.خالد منتصر | الخميس ٢٨ مايو ٢٠١٥ -
٤٧:
٠٧ م +02:00 EET
د.خالد منتصر
عبدالرحمن الخميسى، هذا العبقرى متعدد المواهب، له مقولة عبقرية تلخص حال المثقف المصرى فى هذا الزمان، يقول الخميسى: «أنا لا أعزف على قيثارتى، لأننى مشغول بالدفاع عنها»، بالفعل المثقف المصرى الآن لا يعزف على قيثارته الإبداعية، لأنه مشغول بالدفاع عنها ضد من يحاول خطفها وتدميرها ودهسها وتمزيق أوتارها، ومجرور قسراً وجبراً إلى معارك جانبية وهامشية أخرى.. خطط شريرة تُنسج بمهارة شيطانية لجرجرة المثقف خارج المياه الإقليمية لإبداعه الحر الجميل، فهو يدافع عن قيثارته حين يضطر لإعلان إيمانه والقسم بأغلظ الإيمان أنه متدين مسلم موحد بالله، فهو حين ينتقد شيخاً أو تراثاً أو يحاول تحريك مياه راكدة فى مقالة أو فى برنامج، يظل أعواماً بعدها يشرح للقراء والناس والمجتمع والجيران أن الشيخ ليس هو الإسلام، وأننا لو اختزلنا الإسلام فى تراث راكد نكون قد ظلمناه ظلماً بيّناً، وأن قصده كان كذا وكذا، ويظل يشرح مع كل لفظ الكتالوج بتاعه!!، خطة شيطانية يسرب فيها أعداء الحياة مقطعاً مثيراً مفصولاً عن سياقه ويتوجونه بمانشيت حراق مثير مشطشط، يشيرونه لمواقع المفروض أن تكون فى نفس خندقك، تبلع هذه المواقع الطعم، تتراكم المقاطع والمانشيتات، مما يجعل الأرض ممهدة لسيادة شعار واحد «ها هى الدولة قد كفرت منذ 30 يونيو»، ما هو البديل؟، البديل هو العودة لصحيح الدين الذى كان يمثله الإخوان!!، هذه هى تفاصيل الخطة الشيطانية التى ينساق وراءها الإعلام كالقطيع، وهو لا يعرف أن نجومه سيكونون أول من تعلق رؤوسهم على أعواد المشانق إذا وصل أعداء الحياة والفكر والبهجة إلى الحكم، إنهم يشتتون الكتاب والمفكرين الليبراليين وينتهكون سيرتهم وينهكون أعصابهم ويستنزفون طاقاتهم فى معارك جانبية وأزقة فرعية بعيداً عن مشروعهم وطريقهم الفكرى الأساسى، وهكذا يحدث انتصار الجهل عبر إلحاح البوستات ومقاطع الفيديو والشير واللايك.
يحدث هذا حين يدافع المفكر عن قيثارته فى إثبات أنه ليس عميلاً أو إرهابياً حين يهاجم السلطة، ويظل يثبت طيلة حياته أنه لا يقصد الوطن حين يهاجم الحاكم، لأن اختزال الوطن فى شخص الحاكم هو مهانة للوطن، لأن الوطن باقٍ والحاكم زائل، وأن الحديث عن نواقص وسلبيات المجتمع ليس نشراً للغسيل القذر على الملأ، كما يدعى البعض، ويظل يدافع عن قيثارته حين يهمس فى أذن كل من يقابله كالممسوس: أنا لست إباحياً حين أتحدث عن الجنس، فالجنس نشاط إنسانى وسلوك إنسانى، مثله مثل أى نشاط وسلوك آخر، علينا ألا ندفن رؤوسنا فى الرمل وندعى الطهر والملائكية لننافق مجتمعاً أدمن النفاق والازدواجية فى سبيل كسب شعبى.. يضطر المثقف لأن يدافع عن قيثارته وهو يكتب شعراً، وقبل أن يكتب يظل فى حرب ضروس لإقناع الناس بأن ما يكتبه خيال يحتاج لغة خاصة وتقبلاً خاصاً واستقبالاً وقراءة مختلفة عن قراءة أخبار الجرائد..
يدافع عن قيثارته حين يرسم لوحة تشكيلية محاولاً إقناع الجمهور بأن مفردات لغته هى الخط واللون والظل والضوء، وأنه من الممكن جداً، بل من الطبيعى، ألا يكون هناك موضوع واضح لمن يشاهدون لوحته.. يدافع عن قيثارته حين يصنع فيلماً يحترم لغة الصورة لمجتمع يكره الصورة ويفزع منها، لأنه يكره الحقيقة والصدق، فيظل يقنع المجتمع الذى رقابته أشد وأغبى من جهاز الرقابة السلطوى بأنه يصنع فيلماً يرسم خيالاً على النيجاتيف ولا ينقل الواقع «فوتوكوبى».. يدافع عن قيثارته حين يقدم مسرحاً لناس تريد خطباً ومواعظ فجة، تريد منبراً لا مسرحاً.
المثقف المصرى يظل مطارداً منبوذاً معذباً بين دوره كمتمرد مخاصم للسائد والمألوف، محرك للمياه الراكدة، وبين ما يطلبه منه الشارع السياسى لكى يتمكن من التغيير من تملق لهذا الشارع، وعوم على عومه، وضبط على موجته، والرقص على طبلته ذات الضجيج.. بين دوره التنبئى كزرقاء اليمامة التى ترى الخطر من على بُعد أميال.. وبين رغبة الناس فى عدم إزعاجهم بصوت يدق ناقوس الخطر دوماً، ويتهمهم بالتقاعس واستعذاب الكسل والتلذذ بأحلام اليقظة.
متى يبدع المثقف ويعزف إذا كان مشغولاً بالدفاع عن قيثارته؟!
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع