أنهيت حديثي السابق معك بأن حادث القطيف لن يغير شيئًا في حسابات المعركة الدائرة بين المملكة العربية السعودية والإرهاب، وأن العسكريين يعرفون جيدًا أنه من المستحيل دخول حرب بغير خسائر. ولذلك فهمهم الأكبر هو أن تكون خسائرهم في حدها الأدنى. وكانت جملتي الأخيرة هي أن المواطنين في السعودية سيدافعون عن دولتهم لأنهم يحترمون أنفسهم ويحترمون مملكتهم.
وبهذه الجملة الأخيرة سيتصور الكثيرون أنني لجأت للبلاغة الأدبية، وقد تساءلوا عن الصلة بين احترام النفس وعاطفة اعتبار الذات والقتال المباشر على الأرض بكل الأسلحة؟
إن الهزيمة المروعة التي مُني بها الجيش العراقي مؤخرًا والتي تمثلت في انسحابه من مناطق كبيرة في مواجهة القوات الداعشية، تاركًا أسلحته، وتاركًا أهل هذه البلاد تحت رحمة أكثر الوحوش في التاريخ توحشًا، لم تحدث بسبب تفوق العدو في النيران والعدد والعدة، أو لأنه فاقد لإرادة القتال، بل لأنه فاقد للاحترام، فاقد لعاطفة اعتبار الذات. وعندما يصرح مسؤول سياسي كبير لمراسل «الشرق الأوسط» أول من أمس، بأنهم يفكرون في عمل جيش جديد أو تشكيل (قتالي) آخر يسمونه الحرس الوطني، وأنهم سوف يحاسبون قادة الجيش الذين انسحبوا من مواقعهم وتسببوا في سقوطها في أيدي «داعش»، فإن السؤال هو.. من أين يا سيدي، ستأتي ببشر من نسيج مختلف؟ المشكلة الحقيقية داخل النظام، داخل الدولة، داخل تشكيلات الحكم.
ولكنه في حديثه لم يذكر التعبير الذي يعرفه العالم كله وهو «الخيانة العظمى» هؤلاء يا سيدي خونة، هربوا من أرض المعركة بغير قتال وتركوا أسلحتهم لأعدائهم لينتصروا بها في معارك أخرى.. نعم، هي خيانة عظمى قادهم إليها عدم احترامهم لأنفسهم.
إن الصلة قوية للغاية بين عاطفة اعتبار الذات وعاطفة الاحترام، وربما كانت العلاقة بينهما هي علاقة احتواء، كما يقول المناطقة، أي أن عاطفة اعتبار الذات هي الوعاء الكبير الذي يحتوي على كل ما هو جميل داخل نفوس البشر، وهي العاطفة التي تجعل الإنسان مسؤولاً، بغير أن يشعر الإنسان الفرد بتقديره لنفسه، سيزحف الإحساس بالاحتقار على كل مداركه وعواطفه. عندها سيكون من السهل عليه الاعتداء على نفسه وعلى الآخرين.
كل هؤلاء الذين لا يحترمون أنفسهم في كل مجالات العمل هم مصدر أكيد للعدوان والخراب. هؤلاء يشكلون الجمهور المتوقع والمحب لـ«داعش». هم يريدون حكامًا يتبادلون معهم الاحتقار. ذلك الاحتقار هو رأسمالهم الحقيقي. ابحث في أعماقهم، لن تجد شيئًا غيره. وهو احتقار لا ينصب على أعدائهم فقط، بل على الدنيا كلها، على الحياة بكل ما فيها من عظمة وجمال.
إن أعظم ما فعلته الحكومات السعودية المتعاقبة هو إرسالها عشرات ألوف الشبان والشابات كل عام إلى بلاد الغرب لتكملة تعليمهم. بالطبع، هم اكتشفوا هناك أن الغرب ليس شيطانًا أعظم أو أقل عظمة. وهناك أيضًا اكتشفوا أنهم قادرون على التحصيل العلمي تمامًا كزملائهم القادمين من كل أنحاء العالم، فزادهم ذلك من احترامهم لأنفسهم، هؤلاء الناس من المستحيل أن ينسحبوا من مواقعهم في مواجهة الخطر. هؤلاء سيدافعون عن الدولة وعن أهلهم وعن أنفسهم.. لأنهم يحترمون أنفسهم.
نقلا عن الشرق الاوسط