الاثنين ٢٥ مايو ٢٠١٥ -
٥٨:
٠٢ م +02:00 EET
وزير العدل السابق محفوظ صابر
نانا جاورجيوس
هوجة الهجوم على وزير العدل السابق محفوظ صابر، إشتعلت لها مواقع التواصل الإجتماعي ما بين ناقم ومؤيد للوزير إلى عنصري ومتعاطف مع إبن الزبال.و إشي مانشيتات جرايد و إشي عناوين: «ابن الزبال» يطيح بوزير العدل: «الشعب ينتصر»!
فعن أي إنتصار يهللون، هل صار إبن الزبال قاضياً أو سفير؟! وللَّا الشمتانين في سيادته إنتصروا لإبن الزبال وخففوا عنه جوعه وللَّا جوزوه ست الحسن بنت الحسب والنسب!، وللَّا عينوه في أم البلد دي سفير. وللَّا لسة الفقير فقير، والغفير عمره ما هيكون سفير؟!
القضية أعمق بكثير من فرقعة مانشيتات وعناوين إستهلاكية لم تعد صالحة للإستخدام الآدمي، إلا كمخدر لأصحاب العقول إللي لسة بتسأل هل يجوز دخول الحمام بالرجل اليمين أم بالشِمال، وهل يجوز تهنئة المسيحي في أعيادهم أم لا، وهل يجوز إلقاء السلام عليهم ام نضطرهم في الطريق إلى أضيقه؟! نعيش في مجتمع شيزوفريني، مصاب بوباء الطبقية والعنصرية والطائفية التي تغلغلت في جثة الوطن، فليس بإقالة وزير وتعيين إبن الغفير سيتلاشى التمييز والطائفية والطبقية!
وإلا كان إنتصر نفس الشعب لقضايا و مشاكل البهائيين والأقباط الذين يتم تضييق الخناق عليهم في أبسط مناحي الحياة. فإستبعادهم من أقسام النسا والتوليد و إقصائهم من الشهادة أمام المحاكم و من الوظائف القيادية بالدولة والجامعات من منطق «ومن يتولهم منكم فإنه منهم»! هي قضايا تمييز وعنصرية وطبقية بإمتياز، تتسبب فيها الأنظمة الحكومية المتعاقبة ولانستطيع أن تخطئها أعيننا اليوم.
حتى أن الطائفية والتمييز أصابوا قوانين الدولة نفسها وتمييزها بين مواطنيها، فمثلاً قانون الخدمة المدنية الجديد أصيب بالعنصرية والطبقية حين ينص على منح العاملين المسلمين شهرًا إجازة مدفوعة الأجر عن الحج، فى الوقت الذى لا يأخذ العاملون المسيحيون نفس الحق حين يرغبون فى الحج للقدس! بل وصلت الطائفية بوضوح إلى تفاصيل حياتنا اليومية، فعندما تجد الوظائف الخاصة البسيطة بالمجتمع كالمطاعم ومحلات الملابس والكافيهات
والشركات الخاصة والمهن الصغيرة تشترط أن يكون المتقدم لها من حفظة القرآن معناها« الأقباط يمتنعون»، تدرك إلى أي حد وصل التمييز الطائفي والطبقي والعنصري في مجتمع يحتضر ثقافياً وإجتماعياً وينحدر نحو هوة مجهولة ليغرق في مستنقع الإنقسامات التعصبية التي ينشدها أعداء الوطن بالداخل والخارج.
و رأيتني أتعاطف مع كبش الفداء «الوزير المأسوف على شبابه»، و رأيتني أتعاطف كذلك مع إبن عامل النظافة الذي يطلقون عليه ظلماً « إبن الزبال» فهو محتَقَر وبائس في قفص إتهامه ولا نتذكره إلا عندما نريد أن نخلع وزيراً أن نطيح بمسئولاً، خلاف هذا فهو مازال « إبن الزَبَّال» الذي نتعالى عليه وننظر إليه من فوق.
فالإتنين ضحية مجتمع، لما خلَّفته ثقافة الطبقية و العنصرية، مجتمع يميِّز و يضطهد لمصلحة المتاجرين بدماء شعب يتناحر بصمت في السر والعلن،بمناسبة وبغير مناسبة، و الحلول المؤقتة تجعل غصة ألم التفرقة مثخنة بجراحها لأنها تحيل القضايا المجتمعية الكبرى والمسكوت عنها لتتراكم فوق بركان يغلي تحت رماده، فمشاكل الطبقية والإضطهاد تُحال لمراحل تصعيدية أصعب وأعقد، و حلول لتهدئة الناس وتخديرها بقانون ساكسوني متداول « شالوا ألدو جابوا شاهين»!
مشكلة وزير العدل أنه نطق بالحقيقة بصوت مسموع، رغم أنها حقيقة واقعة وتمارس عملياً و بصورة طبيعية و فجَّة، غاية مافي الأمر أنها حقيقة «مسكوت عنها»
و يا لحظه البائس بلون البتنجان الأسود من يبوح بها وهو لا يعلم أنها القشة التي ستقسم ظهره!. فبالحق والعدل نطقتَ يا وزير العدل، ولا لومٍ عليك. فالمساواة في الظلم هو عين العدل بمنطق كبارات البلد بتوع طبقة «الكريم شانتيه» إللي بياكلوها والعة من فم الفقير والجعان، وياخدوا دايما وش القفص ويتركوا المفعَّص والحمضان للفقير وإبن البواب وإبن الزبال، في مجتمع أصيب « بالنعرة النرشية» نسبة لسيدة المطار
« ياسمين النرش» إللي مسحت بكرامة ضابط المطار الأرض لأنها بنت الملياردير ذات الحسب والنسب! طالما مازالت ألستنا تلوك بعنجهية عباراتها« إنت مش عارف أنت بتكلم مين»!، طبقتين بمجتمع تزداد بينهما الهوة كل يوم، طبقة الأغنياء والأسياد وطبقة الفقراء والعبيد. فلولا الفقراء ما وُجدت طبقة الأغنياء ولولا العبيد ما وُجدت طبقة الأسياد. هكذا هي الدنيا ياسي البيه الوزير.
وفوجئت بإمتعاض من بعض سكان مملكة الفيسبوك المؤيدين للطبيقية ولسيادة الوزير المنكوب، و يتداولون سؤالهم: هل أنتِ مستعدَّة تجوِّزي بنتكِ لإبن واحد من عمال النظافة اللي بيكنسوا الشارع. وإن تقدمتي لقضية خلع، هل توافقي إن يكون قاضيها هو إبن زبال ؟ و رغم أني مؤيدة تماماً لوزيرنا الضحية بل و أعذره وأقدِّر له شجاعته إنه نطق بالمسكوت عنه. لأني عِشت بمجتمع تجرعت منه التمييز والطبقية على أساس ديني وعلى أساس كوني إمرأة بمجتمع ذكوري. و وجدت سؤالهم مخادع وبه كثير من السطحية والمغالطات ولا يصلح للإجابة عنه بـ نعم أو بـ لا.
فدول الغرب يحكمها قوانينه العلمانية والعدالة الإجتماعية، وفرص العمل على اساس الجدارة والإستحقاق وحيث لا فرق بين إبن السفير و إبن الغفير. فإبن عامل النظافة لو صار قاضياً سيحكم بميزان العدالة حيث الضمير المهني، حتى لو أبوه هو جامع قمامة. فسلك الوظيفة الميري لا يحتاج لعادات
وتقاليد ولا لمركز فلان الإجتماعي ولا لحسبه ونسبه لو كان مواطني الدولة سواسية أمام عدالة عمياء لميزان لا يُفرِّق. يحتاج فقط المواطن لدستور يكفل له حق الترقي الوظيفي والإجتماعي على أساس الكفاءة والجهد والمثابرة بأمانة في العمل، ولقانون يطبق فعلياً لضمان عدالة إجتماعية في توزيع تكافؤ الفرص.
فما الذي يمنع الشاطر حسن إبن عامل النظافة أن يتزوج ست الحُسن،لو أتاحت له الدولة تولي المناصب القيادية زيه زي إبن سيادة الوزير. أعتذر لك يا ابن الزبال وأعتذر لأبوك إللي تعب ورباك في مجتمع لا يعترف بك وبه، فإن كنتَ إبن عامل نظافة، فالمجتمع الذي يرفضك هو نفسه المجتمع الذي يُزبِّل تحت أرجله ولا ينظر لمخلفاته. فمن يكون «الزبال»، مَن يزبِّل و يتأفف أم من ينظف أوساخ «الزبالين»؟!.
نحلم بأن يأتي الوقت الذي يقول فيه إبن الزبال «إن فاتك الميري اتمرَّغ في ترابه» لأجل أن يتزوج من سِت الحُسن بنت الحسب والنسب؟! أم ستصدق مقولة الكاتب الساخر جلال عامر :« في بلادنا ناس لها السلك الدبلوماسي وسلم القضاء، وناس لها سلك «المواعين » والفقير لايدخل المحكمة إلا
متهماً». فلا يملك الجعان إلا أن يحلم بسوق العيش المُرّ، ولا يملك الفقير إلا أن يغني «ظلموه»، أما إبن عامل النظافة لو حلم بسلك القضاء سيفقد عقله و يقلع ملط زي المجنون في الشارع و يهذي كالمخبول:«وشبكنا الحكومة وبقينا قرايب،ناسيبنا الحكومة وصبحنا حبايب»!