الكاتب / زكريا رمزى زكى
فى أحد الأيام ذهبت إلى بائع الملابس فوجدت محله الصغير مغلق ويافطة مكتوب عليها "مغلق للصلاة " فانتظرته حتى أتى وقمت بشراء ما يلزمنى
وفى المنزل وجدت فيما اشتريته خطأ فى المقاس ، فعاودت للرجل فى اليوم التالى فوجدته يصلى ايضا فانتظرته وعرضت عليه المشكلة فقال لى انك لم تشترى منى شىء وأنا لا أعرفك ولم أراك من قبل واختتم قوله " خلينا صايمين بقى " ، صعقت من كلماته المحشوة بعبارات الحلفان ، وأتى لى بجيرانه يحلفون بكل الأيمانات أن هذا الرجل لم يأتى الى المحل بالأمس ،
شككت فى نفسى لكن عاود لى اليقين مرة أخرى وقلت له أنا أريد تبديلها فقط فقال لى تدفع فرق كذا جنية فوافقت فبدلها لى على الفور ، وعرفت بإيمائه منه أن كل ما قاله كذب فى كذب حتى يأخذ فرق التبديل فقط .
ظاهرة التدين المظهرى عندما تسود فى مجتمع يتحول أفراده إلى متواكلين وغير منتجين وعديمى الاخلاق والذوق والانسانية ، على الرغم من ظهور مظاهر التدين على أجسامهم وفى أحاديثهم ، مبتعدة عن أفعالهم .
لعل واقعة محاولة إغتصاب مجموعة من الطلبة لمدرسة لعدم السماح لهم بالغش فى امتحان التربية الدينية يفضح مجتمعنا الذى وصل السوس إلى أعماقه ، وأصبح على شفا هوه من الإنهيار والتلاشى .
فمنهج الغش أصبح من مقررات التربية والتعليم كأى مقرر أخر بل وأفضل وصار لهذا المنهج رعاه ومعدين ومنفذين فى كل مراحله ، حتى أن كثير من طلبة مصر لا تجيد فى نهاية تعليمها الا هذا المنهج وتتفوق فيه .
فالغش يبدأ من أن تعلم المدارس أطفالنا أن الالتزام فقط عندما يكون هناك متابعين ومفتشين ، ثم يتلقى الطفل كورسات جديدة عندما نعلمه أن يأتى بشهادة طبية مضروبة كى يتم شطب أيام غيابه عن المدرسة ، وتدربه المدرسة هو واسرته أن لجان الامتحانات موصى عليها وسيتم مراعاتهم فى الامتحانات ,
اسألوا جميع مدارس مصر فى كل مراحل التعليم ان كانت مدرسة واحدة تخلو من الغش فاعتبروا كلامى مجرد هلاوس .
لقد صار الغش هو الحاضر فى كل امتحاناتنا ولو أن مدرس جرب لو مجرد تجربة أن يمنع الغش فى احدى اللجان سيتعرض لما تعرضت له المعلمة الفاضلة حتى ولو بعد امتحان التربية الدينية ، وسيتعرض للتنكيل من الادارة واصدقاؤه واولياء الأمور والطلبة والوزارة ، هل تعلمون أن مسئولى وزارة التربية والتعليم أطلقوا اسم لطيف على الغش ألا وهو " تهيئة الجو المناسب للطلبة " وعدم ارهاب الطلبة والمقصود به هو الغش بطريقة شرعية .
لقد صارت حياتنا عبارة عن وقائع من العشوائية والتدليس ، فجميع موبقات المجتمع ما هى إلا وليدة للتدين المظهرى الذى نعيشه ، فتدرجنا فى هذه الحالة وجد انفصال بين الواقع العملى المعاش وما نردده من تعاليم دينية ، بل وتعدى الأمر الى أننا نقوم بتطويع الدين كى يوافق فسادنا ،
فهل رأيت مثلا من يقول لمن لا يسمح بالغش فى الامتحانات " حرام عليك دول غلابة " ـ يقصد الطلبة ـ فهنا مثال لتطويع الدين لا لكى يتوافق مع فسادنا فقط بل ويلوم الملتزم بالاخلاق القويمة . إن مجموعة الطلبة الذين حاولوا اغتصاب مدرستهم التى رفضت السماح بأن يغشوا فى الامتحانات هى واحدة من آلاف من الوقائع المماثلة فى كل مجالات حياتنا ، فأبسط شىء عليك أن تقوم بنصيحة شخص يسير فى الشارع عكس الاتجاه فستسمع ما لا تطيق اذناك سماعه ، وقد ينضم المارة مع المخالف ضدك .