الأقباط متحدون - حكاية حنّا وعبدالسلام
أخر تحديث ١٩:٤٠ | الجمعة ٢٢ مايو ٢٠١٥ | ١٤بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٦٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حكاية حنّا وعبدالسلام

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

حين يلتقى داعشىٌّ مسيحياً يذبحه بدم بارد، ثم يركل رأسه فى البحر، بعدما يُلبسه حُلّة الإعدام حمراءَ قانيةً بلون الدم، ثم يخرُّ لله ساجداً، شكراً وقُرباناً. وحين يلتقى إنسانٌ مسلمٌ إنساناً مسيحياً يصافحُه، ثم يفكران معاً كيف يفيدان الإنسانية، ثم ينظران معاً إلى السماء، يحتسبان عند الله ما قدّمت يداهما البيضاوان إلى بنى الإنسان.

ما الفارقُ بين الحالتين؟ الأولى تُغيِّمُ على العقل والقلب سحابةٌ من انعدام المنطق والبغضاء والاستقواء بنصلٍ تافه من الحديد فى قبضة أحدهما، مستغلاً غياب القانون والعدالة، وأما الثانية فالعقلُ والقلبُ يقظان حُرّان طليقان نقيان، زاخران بمحبة الله واحترام قيم الإنسانية والعدالة والتحضر والقانون.

تعبنا من سرد وقائع من الحال الأولى المقززة، وتهفو نفوسُنا إلى سماع قصّة من قصص الحالة الثانية الراقية. إليكم إحداها.

ذُهنى حنّا، وطارق عبدالسلام، مصريان قررا أن يقدّما نموذجاً متحضّراً يُحتذَى. وعلامَ التقيا؟ على أرقى ما يجمعُ إنساناً بإنسان. على الكتاب. وأين التقيا؟ فى مهد الثقافة والتنوير الأول والأعرق فى العالم. عروس البحار وقِبلة الفلاسفة والفنانين والزعماء والغُزاة. تلك الآسرة الجميلة التى أغرت الإسكندر الأكبر بسحرها وفتنتها فدخلها ومنحها اسمه: الإسكندرية.

التقيا، يحمل كلٌّ منهما حُلماً طيباً. والتقى الحُلمان. فكانت المصافحة، وكان المشروعُ المحترم. أما الحلمُ، فهو نشر الثقافة العربية إلى شتّى بقاع الأرض. وأما المشروعُ، فمنحاه اسمَ: «كتاب»، وهى شركة مساهمة تعمل على تحويل الإصدارات العربية الورقية إلى نسخ إلكترونية قيمة يقتنيها المصريون والعرب المقيمون خارج أوطانهم لظروف العمل أو الدراسة أو الهجرة، أو غيرها، ممن يتوقون إلى تغذية قلوبهم وعقولهم بشرايين فكرية وثقافية تربطهم بأوطانهم التى تعيش داخل أرواحهم بعدما غادروها ولم تغادرهم، لكنهم يجدون صعوبة فى الحصول على إصدارات كُتّاب أوطانهم ورقيةً من مكتبات المهجر، فيقتنونها إلكترونيةً عبر الأثير من موقع دار http: //k-tab.net الذى تعاقد مع الكتّاب ودور النشر لتوزيع أعمالهم فى كل دول العالم، ويضم حتى الآن ما يربو على الأربعة آلاف عنوان، سوف تزيد مع نهاية هذا العام عشرة آلاف عنوان أخرى، ما بين الإبداع والفلسفة والسياسة والاجتماع والفكر والعلوم والآداب والنقد والتشكيل والتاريخ وغيرها من فروع المعارف وعصارات العقول الإنسانية المصرية والعربية، سوف تُضخُّ فى مكتبات جامعات أمريكا وأوروبا، ليعرف العالمُ أجمع أننا أهلُ علم ومعرفة، لا أهل إرهاب وتخريب وفوضى.

اجتمع المصريان القبطيان، المسلم والمسيحى، على عشق الوطن وهوى الكتاب ومحبة المعرفة والتّوق إلى نشرها، فكان قرارٌ بالتعاون وتقديم صورة متحضرة لأبناء أولى حضارات الأرض، أرض طيبة، مصر الطيبة التى لا نعرف قيمتها كما يليق بها وبتاريخها العريق الضارب فى عمق فجر الضمير الإنسانى.

لم يفكّر أحدُ الصديقين فى انتماء صاحبه العَقَدى، لأن العقيدة شأنُ الله وحده وعنده يجتمع الفرقاءُ، إنما فكّر كلاهما فى المشتركات الكثيرة التى تجمعهما. الإنسانيةُ: المظلّة الشاسعة التى تضمُّ تحت رحابها ستة مليارات إنسان، العروبة: المظلة المترامية التى تضمُّ تحت جناحيها نصف مليون مواطن عربى، الوطن: المظلة الواسعة التى تضمُّ تحت رحابها تسعين مليون مواطن مصرى، الثقافة: المظلة التى نتمنى أن تترامى أطرافُها لتضمَّ تحت رحابها كل البشر، الكتاب: المظلمة التى تتآكل، بكل أسف، ونرجو أن يعود لمجده الآفل ليضمَّ بين دفتيه الحزينتين كل مَن فرَّ منهما إلى عالم التغييب والشعوذة والإرهاب والضلال.

العنصريةُ تمزّقُ نسيجَ الإنسانية وتُثقل الأوطان بالترهُّل والبلادة، والثقافةُ والفنون والآدابُ والمعرفة تعلو بالإنسانية وترسم على السماء ابتسامة الرضا.

شكراً لكلِّ من نبذ قوقعة التشرنق الطائفى العنصرى، وانفتح من كُوّته الضيقة على رحاب الإنسانية، لنثبت للسماء أننا أهلٌ لثقة الله فينا حين خلقنا لنكون بشراً صالحين.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع