بقلم نسيم عبيد عوض
بعد ان خلق الله الكون كله بأبهى صوره ‘ وأحسن ماعنده ‘من قوات سمائية وطغمات ملائكية ‘ وزين الأرض بكل أركانها كحياة تخلق لأول مرة ‘ فنشر نوره الإلهى أولا ثم أنارها بنور الشمس والكواكب ‘ ثم أعد لمخلوقات الأرض كل متطلباتها بكل رفاهية ‘المياه بوفرة ‘ واليابسة على قدر ماتحتمل ‘ الحيوانات البحرية والبرية ‘ والطيور والإسماك ‘ والعشب والشجر والمزروعات حسب أجناسها ‘ دنيا رائعة الجمال تشرق الشمس فيها فتزقزق الطيور بأنغامها ‘وتقوم الكائنات الحيه ناهضة من نومها ‘ وبعد نهار تغرب الشمس الى حيث ماجاءت ‘ وهكذا الحياة معدة لمخلوق الله القادم الذى أعد الله له كل ذلك ‘ الذى رآه "انه حسن" ‘فأعلن قراره الإلهى " وقال الله نعمل الانسان على صورتنا وشبهنا فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض‘ وعلى كل الدبابات التى تدب على الارض." ولعلنا نتوقف أمام كلمة ( نعمل ) التى جاءت بصفة الجمع هنا (
Then God said” Let Us make man in Our Image.)
وطبعا لا أحد يقول ان كلمة نعمل تعنى التبجيل ‘ وهذا غير مقبول لأن الله مبجل فى ذاته وأكبر وأعظم فى شخصه‘ ولكن الوحى الإلهى هنا يلفت النظر الى أن الله له ثلاثة خواص فى ذاته ( الأصل-وتعرف بالآب-والكلمة – النطق -التى هى نتاج عقله وحكمته-وتعرف بالإبن – وهو حى بروحه القدوس )
نعمل الانسان على صورتنا وشبهنا:تك1: 26
خلق الله الإنسان على صورته – نفس وجسد وروح- . فالله واحد في جوهره، موجود بذاته، ناطق بالابن، حيّ بالروح القدس ‘و خلق الله النفس البشرية علي صورته ومثاله، أي علي مثال الثالوث القدوس فهي كائن – ناطق – حيّ . وأيضا على صورته وشبهه فى صفاته الجوهرية مثل المحبة ‘ الله محبة -1يو4: 8 – وعندما خلق الانسان – أو بعد الميلاد الثانى – يحمل نفسا داخلية مملوءه بالحب لله ولكل البشر ‘ وأيضا الله نور –" الذى وحده..ساكنا فى نور لا يدنى منه(1تيمو6: 16) نور من نور‘ " الله نور وليس فيه ظلمة البته " 1يو1: 5‘ فأعطانا أن نكون نورا للعالم "أنتم نور العالم " مت 5: 14‘و أعطانا ناموسا طبيعيا يخلق معنا ‘ يميل الى الحق ويتجنب الشر‘ وهكذا يبدأ المولود بعد الخروج من المعمودية والله يحيا فيه – هيكلا لله - وروح الله يسكن فيكم.1كو 3: 16. فخلق الله الانسان على صورته .على صورة الله خلقه. ذكرا وأنثى خلقهم .وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا عليها ..تك1: 27‘28. وكان كذلك كقول الله. ورأى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جدا.فأكملت السموات والارض وكل جندها.
آدم فى الجنة
عندما خلق الله آدم ( وجبل الرب الإله آدم ترابا من الارض . ونفخ فى انفه نسمة حياة .فصار نفسا حية.تك2: 7‘غرس الرب الإله جنة فى عدن شرقا .ووضع هناك آدم الذى جبله ‘ وخلق الله لآدم من الارض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل ‘يهتم الرب بآدم فوفر له الطبيعة الخلابة بأشجارها لكى يتمتع آدم بالمناظر الطبيعيىه الجميلة التى تسموا بالنفس البشرية ‘ وشجرة الحياة فى وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر .تك2: 8-10.
خلق حواء
إهتم الله بآدم وحياته فى الجنة الذى يعملها ويحفظها وحده دون معين ‘ "وقال الرب الإله ليس جيدا ان يكون آدم وحده فأصنع معينا نظيره ‘ ولكنه لم يجد فى الحيوانات البرية ولا طيور السماء معينا نظير آدم فاكتفى بأن يعطيه الإستحقاق ليمنح هذه الحيوانات والطير اسمائها ‘ ولكنه قرر خلق حواء " فاوقع الإله ثباتا على آدم فنام. فاخذ واحدة من اضلاعه وملأ مكانها لحما. وبنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة واحضرها الى آدم. وعاشا آدم وحواء فى سعاده وسرور مع الله فى الجنة وكما يصفهما الكتاب " وكانا عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان تك2: 25. حياة نقية فيها روح الله لا يعرفان إلا الخير ولا شيئ يخجلهما ولا شهوة جسدانية تعصف بهما بل حسب كلام الله لهم يعيشون لإى نغمات حب طاهر نقى كقول آدم عن امرأته " هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى أى جسدا واحدا.تك 2: 23.
الوصية.. وكانت هذه أول وصايا الله للإنسان فى شخص آدم أب البشرية كلها " واوصى الرب الإله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل اكلا. واما شجرة الخير والشر فلا تأكل منها .لأنك يوم تأكل منها موتا تموت.تك2: 15-17‘ وبعد إعطائه الوصية خلق الله لآدم حواء فلقنها آدم وصية الله وان عقوبة مخالفة وصية الله هى التعدى على شخص الله وعقوبتها الموت ‘ الموت الروحى وليس الموت الجسدى ‘ لأن آدم عاش 930 سنة‘ ولكن الحياة فى الجنة تتطلب من الانسان الطاعة الكامله لوصايا الله ‘ والتى تعنى محبة الله الفائقة‘ وفهمت حواء هذا الأمر الإلهى.
بحسد إبليس أسقط الانسان وكل البشر:
عندما خلق الله الانسان وهبه أعظم عطية ‘ الحرية الإنسانية وحرية الإرادة ‘ ولذلك أعطى الوصية وعقوبتها وترك الحرية كاملة لآدم وحواء حرية الإختيار ‘ وكان يجب عليهما رد الحب لله بطاعة وصيته ‘ ولكن بحسد إبليس هبط بهما الى الموت بمعرفة الحية ‘ أطاع إبليس بدون وجه حق ‘ وعصى أمر الله خالقه. إستخدم عدو الخير الخليقة الصالحة التى عملها الله لخدمة الانسان إستخدمها لتحطيم الانسان ‘ كان العيب ليس فى الوسيلة بل فى الانسان ‘ الذى قبل أن يدخل فى حوار باطل مع الحية‘ ولذلك يحذرنا معلمنا بولس الرسول "المباحثات الغبية والسخيفة إجتنبها.1تيمو 2: 23‘ وهذا ماحذرنا منه القديس يوحنا ذهبى الفم بقوله" أنه لا يمكن للشيطان ان يتسلل إلينا مالم نعطيه نحن الفرصة بالدخول فى حوار باطل بل نقطع كل رباطات الشر مع إبليس وأعوانه. يقول السيد المسيح "لا تعطوا القدس للكلاب ‘ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير‘ لئلا تدوسها بارجلها وتلتفت فتمزقكم.مت 7: 6. خدعت الحية حواء بوعودها الخداعة والكاذبة (لن تموتا) وأشبعته بشوة الأكل وشهوة العيون وعظمة أن يخالفا وصيةالله وعدم طاعته ‘ وفى هذا يقول القديس أغسطينوس " الله هو قائدنا والشيطان يعمل على هلاكنا ‘ القائد يقدم وصية والمهلك يقترح خدعة وشهوة فهل نسمع للوصية أو نصغى للخدعة. ويقول آباء الكنيسة ثلاث خطايا رئيسية قدمها إبليس لتحطيم الإنسان هم النهم –شهوة الجسد ‘ والطمع ‘ والكبرياء والعظمة.وهكذا ورثت البشرية كلها الموت ‘ والفساد ‘ والخطية ‘ فبآدم الأول تسلل الهلاك والموت للإنسان ‘وبه ايضا صارت البشرية كلها تحت الدينونة ‘ وفقدت حواء رسالتها الأصلية التى خلقها الله من أجل ان تكون معينا للإنسان فأصبحت فخا لرجلها ومحطمة لحياة الانسان مع الله.
معرفة الشر .. بمعصية الله بخطية التعدى إنفتحت أعينهما وعرفا أنهما عريانين ‘ فاقشعرت أجسادهما وارتعدوا وخجلوا من أنفسهما فحاولا تغطية الخزى والعار فخاطا أوراق شجرة تين لتغطى عريهما‘ وبإنفتاح أعينهما على الجسد العريان دخل الفساد الى الجسد‘ ومعرفة الشر أشعرهما بالخزى من الجسد الشهوانى ‘ وكما يقول القديس أغسطينوس" انفتحت أعينهما لا لينظروا لانهم كانوا ينظروا من قبل ‘ولكن ليميزوا الخير الذى فقدوه والشر الذى سقطوا فيه" وهكذا كل البشر.
ورأى الله صعوبة موقف آدم وتحدى إبليس له فاعتبر ذلك أمر لا يمكن السكوت عليه ‘ كما يقول القديس أثناسيوس الرسول "كان تحديا لله " فبدأ على الفور بتدبيرات الخلاص لهذا الانسان المحطم والمحكوم عليه بالموت ‘ وبدأت البادرة : 1- عمل الله ذبيحة حيوانية وعمل من جلدها أقمصة وملابس لآدم وحواء قبل خروجهما للأرض التى جبلوا منها‘ لتغطية عريهما من الخطية. 2- وعد الله بالخلاص " نسل المرأة يسحق رأس الحية "تك3: 15. وهكذا بهذا الوعد الإلهى بدأت البشائر لخلاص البشر فى الوقت الذى يحدده الله . وإنتظرت البشرية طويلا حتى نفذ الله وعده فى ملء الزمان.