يُعرَّف الإرهاب لدى المنظمات الدولية (الأمم المتحدة) على أنه: «شكل من أشكال العنف المنظم.. اغتيال، تعذيب، اختطاف رهائن واحتجازهم، وبث القنابل والعبوات المتفجرة، واختطاف وسائل النقل كالسيارات والأتوبيسات والطائرات وتفجيرها، وتلغيم الرسائل وإرسالها».. وتعنى كلمة Terror: «استعمال العنف لتحقيق أغراض سياسية».. وعندما استخدم القرآن كلمة الإرهاب فى قوله تعالى: «وأعدوا لهم (أى لمقاتليكم والمعتدين عليكم) ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم...» (الأنفال:٦٠)، إنما قصد بذلك ردع كل من يفكر أو تسول له نفسه الاعتداء على البلاد والعباد.. ويدخل هذا فى باب الحرب النفسية.. وبنظرة إلى التاريخ، يتبين لنا أن الدول والأمم عانت كثيرا من الإرهاب، قديما وحديثا.. فالذين يفتقرون إلى العقل والحكمة كثر، والذين يريدون فرض أفكارهم وآرائهم وسيطرتهم على الآخرين من خلال استخدام السلاح لا يخلو منهم أى مجتمع.. يستوى فى هذا الأفراد، والجماعات، وقادة الدول.. فما الذى يفعله «داعش» اليوم، ومن يلف لفهم؟.. وما الذى فعله الأمريكان فى أفغانستان والعراق بالأمس القريب؟.. وما الذى فعله ويفعله الصهاينة فى الأرض المحتلة عبر أكثر من سبعين عاما؟
لقد واجهت مصر موجات من الإرهاب منذ الأربعينيات حتى التسعينيات من القرن الماضى، وقد استطاعت الأجهزة الأمنية أن تتصدى لها، وأن توقفها، لكن ظلت جذورها موجودة وكامنة بسبب عدم معالجة الدوافع المؤدية إليها.. واليوم تواجه مصر أعتى موجة إرهابية مرت بها، حيث تتسم بعدة أمور، أولها: إن المجموعات الإرهابية على درجة عالية من المهارة والحرفية، فقد تلقت تدريبات متنوعة على يد مخابرات دول أجنبية كبيرة فى أفغانستان، ودول البلقان، والعراق، وسوريا، وأماكن أخرى. ثانيها: توفر كميات هائلة وأنواع مختلفة من السلاح، تدفقت إليها من ليبيا والسودان وقطاع غزة، وتركيا وقطر. وثالثها: الدعم الإقليمى والدولى لها، ماديا ولوجستيا، ضمن مخطط كبير، لا يستهدف الضغط والابتزاز لمصر فحسب، وإنما كامل السيطرة على المنطقة برمتها.
وفى تنفيذ خططه وبرامجه، يسير الإرهاب فى خطوط متعددة، من حيث التخطيط، والتدريب، والتنفيذ، والتجنيد، والرصد والمتابعة، والتخفى، والأعمال اللوجستية.. إلخ، مستهدفاً بذلك إرباك النظام الحاكم، وزعزعة أمنه واستقراره، وإثبات عجزه وفشله وعدم قدرته على حماية الأفراد والمنشآت، وبالتالى هز ثقة الشعب به، تمهيداً لإسقاطه، وذلك من خلال شل فاعلية أجهزته الاستخباراتية والأمنية.. صحيح أن القوات المسلحة وقوات أمن الداخلية استطاعت أن توجه ضربات موجعة للإرهاب فى الفترة الماضية، لكن مازالت هناك أعمال اغتيال لأفراد من الجيش والشرطة فى معسكرات أو كمائن، سواء من خلال هجوم انتحارى أو قذف بمدافع الهاون، أو بتفجير عربات مدرعة تحمل ضباطا أو جنودا.. ومازالت هناك أيضا أعمال تفجير لأبراج الضغط العالى ومحولات الكهرباء ووضع قنابل فى أماكن معينة، بالقرب من أقسام الشرطة، أو تحت الكبارى، أو أسفل السيارات، وهكذا.
إن فهم الأسلوب الذى يعمل به الإرهابيون يعين كثيراً على مواجهتهم.. ومن الواضح أن ثمة تخطيطا وتنسيقا وتعاونا بين هذه الأعمال جميعا، بمعنى أننا بصدد قيادة مركزية تتبعها خلايا عنقودية مبثوثة فى أماكن مختلفة، وكل خلية أو مجموعة من الخلايا تجيد عملا معينا أو على دراية به أو تم تدريبها عليه.. والمتأمل والمتابع للأحداث التى وقعت لابد أن ينصرف ذهنه إلى وجود هذه القيادة المركزية التى تضع الاستراتيجية، وتصدر التعليمات والتكليفات لهذه الخلايا، سواء فى توقيتات متزامنة مع بعضها أو على التوالى، وهكذا.. ومن المعروف أن الخلايا العنقودية عبارة عن خلايا منفصلة، كل خلية تشمل عدداً محدوداً من الأفراد، ولها مسؤول خاص بها، ولا تتصل الخلايا ببعضها، إمعانا فى التخفى والهروب بعيداً عن رصد وملاحقة الأجهزة الأمنية، حتى إذا تم إلقاء القبض على خلية، لم تستطع الأجهزة كشف الخلايا الأخرى، لكنها- أى الخلايا- موصولة عبر مسؤولها بعنق واحد يمثل القيادة المركزية، وهذه تجتمع عندها كل الخيوط.. ولا شك أن الوصول إلى هذه القيادة يمثل بالنسبة للأجهزة الأمنية أهمية قصوى، فمن خلالها يمكن التوصل إلى كل الخلايا، الأمر الذى يستلزم مستوى عاليا من الكفاءة والقدرة، من حيث الحصول المبكر على المعلومات الخاصة بخطط الإرهابيين ونشاطاتهم، فضلاً عن الحركة السريعة والمباغتة.
جدير بالذكر أن أجهزة الدولة من استخبارات وقوات أمن لابد من إمدادها بكل سبل الدعم من أجهزة تقنية عالية، فضلا عن التدريب والتأهيل واليقظة الكاملة لمواجهة هذه النوعية من المجرمين والقتلة.. ومع ذلك، لابد أن يكون واضحاً أنه مهما كانت قدرة هذه الأجهزة وكفاءتها، فإنها لن تتمكن من أداء رسالتها على الوجه المأمول ما لم يكن هناك أولاً: جبهة داخلية قوية ومتماسكة، تستعصى على التشرخ أو التصدع، مع سد الثغرات وتجفيف منابع الفساد. ثانياً: تعاون وثيق ومساندة جادة من الشعب، خاصة قواه الحية من أحزاب، ونقابات مهنية وعمالية، وجمعيات طوعية وأهلية، فضلا عن وسائط إعلامية واعية وفاهمة ومنتبهة لدورها الحساس والحرج فى نشر المعلومات التى تفيد، ولا تضر. ثالثاً: تشريعات تعين الأجهزة المعنية على مواجهة الإرهاب بشكل مؤثر وفاعل. رابعاً: تحصين الشباب بالفكر الوسطى المعتدل الذى يعلى قيم الانتماء والولاء لوطنه ومجتمعه. وخامساً: تنسيق وتعاون إقليمى ودولى لمتابعة الإرهاب وملاحقته وحصاره.
ما أريد أن ألفت الانتباه إليه هو أننا فى حرب مع الإرهاب، ومن أهم مجالاتها الحرب النفسية، ولا يخفى علينا أن الإرهاب يستهدف فى المقام الأول هزيمة الشعب نفسيا وإصابته باليأس والإحباط، فضلاً عن اهتزاز ثقته بقدرة قواته المسلحة وأجهزته الأمنية على الوفاء بمسؤولياتها، وكلاهما لهما أبلغ الأثر السلبى على المواجهة مع الإرهاب.
نقلا عن المصرى اليوم