الأقباط متحدون - هل من الضرورى القسوة على هذا الشعب حتى يستقيم؟
أخر تحديث ١٠:٥٦ | الخميس ١٤ مايو ٢٠١٥ | ٦بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٦٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل من الضرورى القسوة على هذا الشعب حتى يستقيم؟

حسن حنفي
حسن حنفي

تناقلت وكالات الأنباء العربية والأجنبية وبسخرية تامة إحدى النصائح التى أعطاها أحد الناصحين النابهين للرئيس؛ أنه ليس من الضرورى «تدليع» هذا الشعب، أى لابد من القسوة عليه وكأن الزمن لا يكفى لذلك، وكأن نظم الحكم المستبدة لم تقم بذلك خير قيام. وهذا يكشف عن طبيعة النصائح التى تعطى للرئيس: القسوة على الشعب حتى لا «يُدلع» أكثر من ذلك، فلا داعى لأن يكون رحيماً أكثر من ذلك، وعشرات الآلاف فى السجون والمعتقلات مع ما ينبئ به الإعلام أيضاً من تعذيب. وهل يُعقل أن يصل مستشار إلى هذه الدرجة من التقرب للحاكم والقسوة على الناس؟ لا ينصح بذلك إلا مريض نفسى مصاب بالسادية، سرور النفس فى تعذيب الآخرين. وهل يقوم بالنصح مريض نفسى لرئيس؟ أليس الرئيس هو خير قابل لنصح أو رافضه، فهو أدرى بآلامه وأحزانه، ومن يصدقونه القول ومنافقوه؟
 
والقسوة مِن مَن على مَن؟ قسوة الحاكم على المحكوم وهو الأعقل أم قسوة المحكوم على الحاكم وهو الأبعد والأقل تصديقاً؟ وما النصيحة من هذا النوع التى تقدم للحاكم؟ نصيحة ضارة أم نافعة؟ ليس المقصود نصيحة بعينها أو من جماعة بعينها وإلى جماعة بعينها بل المقصود هو بغى الخير. فالنصيحة لابتغاء الخير. وتُعطى النصائح بناء على فهم الروح العامة لسياسة الدولة مثل القطاع العام والخصخصة وتنشيط القطاع الخاص ورفع الدعم عن المواد الغذائية والخبز، وعن الخدمات العامة مثل النفط والمياه الصالحة للشرب والكهرباء والصرف الصحى، وعن الأدوية بدلاً من استيرادها، ورفع الدعم عن مجانية التعليم والعلاج المجانى، ورفع يد الدولة عن الإسكان، ورفع الدعم عن باقى الخدمات. ويحل رجال الأعمال محل الدولة. ويزداد البون الشاسع بين الأغنياء والفقراء، بين المدن الجديدة كالشروق والرحاب والتجمع الخامس، وأحياء القاهرة القديمة كالأزهر والسيدة زينب.

فهل من الضرورة حرمان الشعب من الخدمات الأولية فى المياه الصالحة للشرب والكهرباء والصرف الصحى والإسكان اللائق، والتعليم الأساسى لمواجهة أعداء الشعب الثلاثة: الجهل والفقر والمرض؟ إن الشعب فى حاجة إلى نصيحة ترد إليه حريته. وتجعله يعيش آمناً، مطمئناً لاستعمال حريته، واثقاً من أن استعمال حقه الطبيعى لن ينتهى به إلى السجن أو يضطره إلى الهجرة خارج البلاد. وهو مطمئن أيضاً على حرية أراضيه التى طالما ناضل من أجلها. فمازالت فلسطين محتلة. ومازال العدو الإسرائيلى على الأبواب فى غزة والجولان وجنوب لبنان. ولم ينس الشعب عدوه الرئيسى. ولم يستبدل به عدواً بديلاً مصطنعاً سُمى «الإرهاب»، يحاربه فى سيناء على الحدود الشرقية، وفى ليبيا على الحدود الغربية، وفى البحر الأبيض المتوسط على الحدود الشمالية، بل فى اليمن على الحدود الجنوبية الأقصى دفاعاً عن حرية الملاحة فى باب المندب. ولم ينس أنه جزء من الوطن العربى، ثائراً معه وانتصر معه. ماضيه وحاضره ومستقبله معه. وتنمية مصر تنمية مشتركة تجمع بين الثروة والموارد الطبيعية والعمالة اليدوية والمتخصصة.

ومثل هذه النصيحة يرغب صاحبها فى الارتقاء خطوة، من درجة مستشار إلى درجة أعلى مثل وزير. فالمستشار علم بلا سلطة. والوزير سلطة بلا علم. لذلك يسأل الناس من هم المستشارون حتى يرتقوا إليهم للنقاش معهم أو كبدائل أفضل لهم، وهل يسأل المستشار على حدة أم يجتمع المستشارون فى مجلس مثل مجلس الوزراء، وما مدى سلطته؟ وهل استشاراته ملزمة لرئيس الوزراء أو للرئيس نفسه؟ طبقاً لتعريف الكلمة نفسها «استشار»، الاستشارة مجرد رأى غير ملزم. وتتعدد الآراء بتعدد الاستشارات. ولا تكون الاستشارات عامة بل خاصة فى موضوع اقتصادى أو سياسى محدد، والاستشارة العامة أدخل فى فلسفة النظام أو فى أيديولوجيا السياسة المختارة.

وتتضمن الاستشارة ثلاثة عناصر: المستشار، والمستشير، وموضوع الاستشارة نفسه. وهنا المستشار هو المتخصص لأن الرئيس لا يستطيع أن يعرف كل شىء. وقد يكون المستشار صادق النية، عالماً بموضوع الاستشارة. وقد يبغى غاية أخرى غير الاستشارة، يبغى المنصب أو الشهرة.

والسؤال: هل كل الاستشارات السابقة فيها «دلع» لمصر لا يجب أن يتكرر؟ فعلى الرئيس أن يأخذ الشعب بمزيد من الحزم. والاستشارة القوية الحازمة تمنع المصريين من «الدلع» وتضعهم على الطريق المستقيم. كان على المستشار أولاً قبل أن يعطى استشارته بمنع «دلع» المصريين أن يمر على العشوائيات فى قلب القاهرة وحولها. كان عليه أن يمر على أسعار الأسواق التى تتزايد كل يوم وربات البيوت يصرخن من ارتفاع مستوى المعيشة. كان عليه أن يمر على المدارس الحكومية لمعرفة مستوى أبنيتها وتكدس تلاميذها وحال مدرسيها وما يتقاضونه من دروس خصوصية مقارنة بالمدارس الخاصة وأثمانها المرتفعة باسم المدارس الدولية. كان عليه أن يمر على المستشفيات العامة، الأبنية، والأجهزة، والنظافة مقارنة بالمستشفيات الخاصة وأسعارها، وألا يدخل المريض قبل دفع الآلاف. وإذا رأى حال الطرق العامة من حيث المطبات وأكوام القمامة وعدد الشحاذين على الجانبين يحملون الأطفال فى عز البرد والحر. وهو لا يدرى لأى جانب يكون مستشاراً. وإذا رأى طوابير المواطنين حاملين أسطوانات البوتاجاز والأسعار قد تزايدت إلى أكثر من عشرة أضعاف، وحياة إنسان لا تساوى واحدة عندما يضحى بحياته بضربة سكين آخذاً أو معطياً، هل يكون مستشاراً للبترول عند الرئيس وماذا يقول له؟ وإذا رأى المنتجعات الجديدة والمدن حول القاهرة كالرحاب فبماذا يشير على الرئيس لو سأله عن أحوال القاهرة حتى نضخ فيها مليارات المؤتمرات والوعود؟ وماذا يقول له فى تجديد الخطاب الدينى، ومأساة الواقع تدفعه إلى أحلام الجنان والآمال الموعودة؟ هل المطلوب تجديد الخطاب الدينى أم تغيير الواقع الاجتماعى؟
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع