بقلم :عبد اللطيف المناوي | الاربعاء ١٣ مايو ٢٠١٥ -
٣٣:
١٠ م +02:00 EET
عبد اللطيف المناوي
فى المقال السابق تحدثنا عن السؤال الصعب الأول الخاص بمدى ثقة الناس بقدرة نظامهم على الإنجاز. واليوم نحاول الاستمرار فى التدريب الذهنى بالإجابة عن التساؤل الثانى: هل هو قادر بحق، ويمتلك الأدوات للفعل؟ والإجابة عن هذا السؤال طويلة ومعقدة ومتشعبة، وأيضاً محبطة فى مواضع كثيرة. لكنى سأحاول أن ألمس بعضا مما أعتقد أن قطاعا كبيرا يتفق فيه معى، ويلمس من الشواهد ما يؤكد تخوفاته.
منذ عدة أشهر، كتبت: «لن يتمكن الرئيس وحده مهما كان عمق رؤيته وصدقه وتفانيه - وهى صفات أشهد له بها وأكثر- أن يعمل وحده أو أن يعمل من خلال وسائل قديمة وأساليب تقليدية، أو عبر نظام بالٍ قديم ممزق ملىء بالعيون والثغرات، نظام تغيب فيه الرؤية المتكاملة التى تعتمد المعايير العلمية أسلوبا أساسيا فى التنفيذ والقياس وبناء علاقات العمل». وكما يقول التعبير الأدبى «مرت مياه كثيرة فى النهر» وتسربت أشهر من عمرنا جميعا، وما زال التخوف الذى أشرت إليه مع كثيرين قائما.
يوما بعد يوم يتأكد التخوف مما نرى من شواهد، يبدو لنا كأن الرئيس وحده يعمل، أو فى أحسن الظروف لا يوجد من نشعر أنه معه كتفا بكتف. هذا الوضع المتفانى فى العمل بأحادية يتحمل مسؤوليته جميع الأطراف بمن فيهم الرئيس شخصيا. كذلك يتحمل المسؤولية من اعتقدوا أن توسيع قاعدة فريق العمل سوف يعنى خصما من مساحتهم التى يتمسكون بها حتى لو كانت أكبر من قدراتهم أو طاقتهم أو كونهم بشرا فى نهاية الأمر لهم قدرات بشرية تظل محدودة بكونهم بشرا مهما بدا أنها قدرات كبيرة.
تظل مؤسسة الرئاسة - خاصة فى هذه المرحلة وأكثر من أى وقت مضى- هى الآلة الأساسية أو القاطرة الرئيسية لدفع هذه الأمة إلى الأمام، ولكى تستطيع أن تقوم بذلك فإنها إلى جانب وجود قائد قوى، وهو موجود، وقوته وقدراته يشهد ويثق بها الجميع- تحتاج إلى مكونات أخرى كثيرة لكى تكتمل كآلة قوية قادرة على تلبية رؤية وخطة الرئيس وما يتوقعه الناس منه كقائد لهذه الأمة. وهنا تكمن المشكلة عندما لا نرى نحن- المتابعين والمهتمين بالشأن العام- ملامح مرضية لوجود هذه الآلة التى أتحدث عنها.
فى مصر، تلك الدولة الكبيرة شديدة التعقيد، وفى هذا التوقيت الذى لم يمر على مصر مثله من حيث المخاطر والتحديات- لا يمكن الاقتناع بأن ما يمكننا أن نراه من آلة الرئاسة هو ما تحتاجه مصر، ويحتاجه الرئيس. ما نعتقده هو أن فريقا رئاسيا بمواصفات خاصة من التعليم والتخصص والخبرة والشخصية والقدرة على العمل بتفانٍ- هو الفريق الذى يستحقه الرئيس، ويستحقه الوطن فى ظل هذه الظروف والتحديات التى يمكن أن تستغرق طويلا فى شرحها. لا مجال فى هذه المرحلة للنوايا فقط، والمزج بين أهل الثقة وأهل الخبرة تحت مظلة قيادة تقترب من الإجماع عليها فى هذه المرحلة.
نحن فى مرحلة لا تحتمل التجريب، ولا يمكنها أن تعتمد على رؤية لعدد محدود ليس بينهم كثير ممن تصدوا للعمل العام أو على الأقل يمتلكون مفاتيح المعرفة به. ليس كافيا أن يقرأ المرء كتابا ليصبح مثقفا، ولو ترأس اجتماعا لخبراء وهو ليس منهم لا يعنى ذلك أنه أصبح سيد الخبراء. والأكيد أن نجاح إنجاز مهمة تحمل مقومات نجاحها من البداية لا يعنى أن الشخص الذى تصادف أنه كان فى منطقة الفعل بات خبيرا فيها، فكل الأمر أنه تواجد فى موقع ما فى ظل ظرف ما. هذه حقائق بسيطة، وتكاد تكون مطلقة. لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة، نحن فقط نريد إحضارها وتشغيلها. لا مجال للتجريب أو الاختراع. مهما حاول مخترع جديد للعجلة أن يبتكر فإن نتيجته محدودة، فما هو حاضر الآن هو نتاج تطور فكر وممارسة بشرية على مدى طويل. الصحيح هو الاستفادة بتجارب الآخرين، خاصة الذين نجحوا من قبل فى إدارة بلادهم.
ظللت لسنوات طويلة أختصر مشكلة مصر الأساسية فى غياب هذا «السيستم»، كلمة السر فى تقدم الأمم والشعوب، «النظام» وجود نظام علمى يدير شؤون الوطن بكل تفاصيله، نظام واضح يتم فرضه على أسلوب العمل وعلاقات أطرافه، نظام يحدد الأدوار، ويقسمها، ويحاسب على مدى الالتزام بالمسؤوليات، ووجود أو غياب هذا «السيستم» يعد أحد المعايير الأساسية التى عليها يمكن قياس قدرة النظام على الفعل. وفوق كل هذا «رؤية» هى عنوان هذا النظام. أين نحن من هذا؟!
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع