الأقباط متحدون - حسرة علي مثقفي هذا الزمان
أخر تحديث ٠٦:٠٢ | الثلاثاء ١٢ مايو ٢٠١٥ | ٤بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٥٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حسرة علي مثقفي هذا الزمان

فاروق عطية
   خلال الأيام القليلة الماضية أصابني مرض غريب لم يكن يخطر لي علي بالي ولم أجد له سببا ولم أسمع عنه من قبل, إسمه الشِنجِل. ونتيجة لشنجلتي المتينة التي لخبطت كياني حتي أصبحت غير قادر علي التفكير السليم من شدة ما عانيته وما زلت أعانيه من آلام مبرحة, قررت التوقف عن نشر أحلامي حتي أستريح وأريح القراء الأعزاء من أحلام رجل مُسِن أخرق ضحضحته الأيام والمحن،

لدرجة أنه يحلم بعالم غير موجود ومستحيل وغير قابل للتحقيق، يحلم فى منامه ويحلم فى يقظته، بل أحيانا يحلم وهو يحلم. لكن كما يقول المثل: إذا تاب الزمار يظل أصبعه يلعب, ورحت أفكر لماذا أنا أحلم وأحلم دون توقف.

 يقول بعض علماء النفس أن الأحلام هى تحقيق لرغبات مكبوتة لم يستطع المرء تحقيقها فى عالم الوافع وربما يستطيع تحقبقها فى أحلامه، ويرى البعض أنها هلوسات تصيب المرء عند التخمة والنوم فتداهمه الكوابيس والمزعج من الأحلام، ولكننى أرى أن الأحلام فى حالتى ربما قد تكون نتبجة  للشيخوخة  وكبر السن أو ما يسمونه الزهيمر، رغم أننى لست بهذا القدر من الكبر, فأنا لم أعاصر الخديوى عبد الشكور ولا شاركت فى فحت القنال ولم أواكب هوجة عرابى. لكننى عاصرت جلالة الملك المعظم فاروق الأول ملك مصر والسودان، وسرت فى مظاهرات حزب الوفد مطالبين

بالاستقلال التام أو الموت الزؤام "وإن كنت لا أعلم ما هو الزؤام". وعايشت حركة الضباط الغير مباركة بقيادة حبيب الشعب محمد نجيب الذى انقلب عليه سلاطين المماليك الخنشورية مكونين الجملوكيات الانكشارية, بداية من جمال عبد الناصر لشهيد المنصة أنور السادات حتى ضحية أطماع الزوجة والأبناء حسنى مبارك ثم عصر الجمهورية الثانية التي تآمر فيها المجلس العسكري مع المثقفين أوما يسمون بالنخبة لتسليم البلاد بيضة مقشرة علي طبق من فضة لعصابة العصر الإخوانية التي حاولت بيع البلاد بما عليها تنفيذا لحلمها بخرافة عودة الخلاعة "اقصد الخلافة", نهاية بعودة الحكم العسكري بتفويض من الشعب. 
 
    وحلمت بدور في هذه الأيام العصيبة كدور أي مثقف مهما كبر سنه, فالمثقف لا يستطيع الانفصال عما حوله من أحداث، يتأثر بهموم وطنه ومشاكله وبالتالى يحاول من جهته أيضا أن يؤثر فى الأحداث ما استطاع إلى ذلك سبيلا،  ويحاول أن يرتفع بذوق وتطلعات العامة ويفتح أمامهم  طريق الأمل فى التقدم والنمو ومواكبة قطار الحضارة الذى يجرى بسرعة الصاروخ. ولكن هل لدينا في هذا العصر هذه النوعية من المثقفين التي تستطيع التأثير فيمن حولهم ؟  أشك في ذلك كثيرا. 
 
   تذكرت مثقفي العصر الجميل من رواد هذه النوعية, أولائك الرواد الذين أثروا حياة المجتمع المصري, بل المجتمع العربى من المحيط إلى الخليج وأثّروا فيه وكانت لهم الريادة، من أمثال رفاعة رافع الطهطاوى وطه حسين ومحمود عباس العقاد وقاسم أمين ومصطفى لطفى المنغلوطى ولطفى

السيد وعبد الله النديم وبيرم التونسى ومحمدعبدالوهاب والسنباطي وأم كلثوم وغيرهم من الرواد الذين لم ينضووا تحت لواء حاكم يأمرهم فيأتمرون. أما مثقفى هذه الأيام ويا حسرة عليهم، مجرد أبواق جوفاء تسبح بحمد الحاكم وتعدد مزاياه وتشيد بعبقريته وحكمته التى يرتوى منها كل زعماء العالم..!!
   قد يكون سبب تقزم مثقفى عالمنا العربى اليوم ناتج مما لاقاه بعض الرواد من عنت وقهر من الحكومات العسكرتارية التى عاملت كل من سولت له نفسه بالاعتراض بكل العنف والجبروت. كما حدث للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس- على سبيل المثال - حين طالب بالديموقراطية فى مقال بمجلة روز اليوسف التى كان يمتلكها ويرأس تحريرها، أن دخل مكتبه سلة من ضباط المخابرات وأوسعوه ضربا بالأحذية حتى كاد أن يقتل. وبسيب موقف محمود أبوالفتح صاحب جريدة المصري المؤيد للديموقراطية وعودة الجيش لسكناته إبان أزمة 1954, قامت الثورة بتعطيل جريدة المصري

ومصادرة كل ممتلكات محمود أبو الفتح وأسرته، حتي فيللا والده في شارع أحمد حشمت بالزمالك، التي تحولت إلى مدرسة إعدادية، حوكم محمود أبو الفتح وحسين أبو الفتح أمام محكمة الثورة برئاسة قائد الجناح عبد اللطيف البغدادي وعضوية البكباشي أنور السادات وقائد الأسراب حسن إبراهيم.

كانت تهمة الأخوين أنهما "أتيا أفعالًا ضد سلامة الوطن ومن شأنها إفساد أداة الحكم". صدر الحكم بسجن محمود أبو الفتح ـ الذي كان متغيبًا بأوروبا ـ عشر سنوات ومصادرة 358,438 جنيهًا من أمواله، ومعاقبة حسين أبو الفتح بالحبس خمسة عشر سنة مع إيقاف التنفيذ. وعُطلت جريدة المصري منذ يوم 5 مايو 1954. ومن بعدها فرضت الرقابة على الصحف والمجلات وتواجد ضابط فى كل موقع لا تنشر أى كلمة إلا بعد المرور عليه والتأشير بالموافقة. 
   وحين ساءت العلاقة بين الأخوين مصطفي أمين وعلي أمين صاحبي دار أخبار اليوم والرئيس عبد الناصر لفقت لهما قضية التخابر مع الأمريكان. فى 21 يوليو 1965 تم القبض علي مصطفي أمين متلبسا مع مندوب المخابرات الأمريكية بروس تايلور أوديل فى حديقة منزل الأستاذ مصطفى أمين, واتهم بالتجسس رغم أنه كان مكلفا من جمال عبد الناصر باستمرار الاتصال بالولايات المتحدة، وكانت القيادة تمده بما ينبغي أن يقوله لمندوبي أمريكا،

وأن ينقل إلى "جمال عبد الناصر" ما يقوله الأمريكيون، وعندما ساءت العلاقات بين مصطفى أمين وعبد الناصر وغيره من القيادات قبضوا عليه وحاكموه بالمعلومات التي كانوا قد أعطوها له سلفا ليسلمها إلى المندوبين الأمريكين، وصدر عليه الحكم في القضية رقم 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا، بالأشغال الشاقة المؤبدة قضي منها مصطفى أمين تسع سنوات في السجن وقضاها علي أمين خارج مصر,

بعدها أصدر السادات قرار الإفراج عنه فى 27 يناير 1974" يعفى من العقوبة المحكوم بها على السيد مصطفى أمين يوسف، في القضية رقم 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا، وكذا كافة الآثار والعقوبات التكميلية والتبعية المترتبة على الحكم الصادر". ويذكر أنه بعد إصدار العفو الشامل تم بعد ذلك إعادة المدعي الاشتراكي مصطفى أبو زيد فهمي للتصدي للقضية وتأكيده تعرض مصطفى أمين للتعذيب وبطلان الإجراءات التي صدر في ظلها الحكم عليه.
 
  ربما لهذه الأسباب عاليه تقزم دور المثقفين وأصبح دورهم هامشيا, أوربما لعودة السطوة العسكرية والقضاء علي كل من يحاول أن يكون له رأيا مستقلا يخالف رأي الزعيم مثل ما حدث لبرنامج البرنامج للساخر باسم يوسف, أو ريما لما للأزهر من سلطان يخشاه كل من يحاول التصدي

للمعتقدات السلفية الخاطئة ومحاولة التنوير فيجابه بالسخرية والتحقير ثم يقصف قلمه ويوقف منبره مثل ما حدث للباحث اسلام البحيري, وما ينتظر حدوثه لبرنامج إبراهيم عيسي, أو ربما لتغلغل سيطرة السلفية الوهابية علي عقول الناس وتأييد الحكم العسكري لهم واستمرار احزابهم الدينية رغم مخالفتها للدستور والقانون.
 
  لكل ذلك ولأسبابي الشحصية نتيجة ما أعانيه من شنجلة قاسية قررت ألا أكتب هذا المقال واستميح فرائي الأعزاء عذرا علي أن أحاول الكتابة مستقبلا حينما أكون قادرا جسديا وذهنيا علي الكتابة.
 
 
 
 
 
 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter