أنت وحدك يا عزيزي، الواسطة أمامك والانتحار على طريقة عبدالحميد شتا من خلفك، وكل هذا الهوس باستقالة وزير العدل، لن يسفر عن شيء محدد، فقط بعد أسبوع واحدٍ من الآن، ستجلس في بيتك المتهالك، بينما ينظر والدك إلى شهادة «الليسانس» أو«الماجيستير» المعلقة على الحائط ويبكي.
عزيزي ابن الشقيانين
هذا ليس وطناً فعالاً.. هذه عزبة لها ألف ألف «عمدة»، ودورك فيها محسوم بقدر السلطة، وبقدرة «شيوخ الغفر». لنتصور أنك تجنبت الصدام، لنتصور أنك درست في كلية التجارة، وشاء حظك العاثر أن تصطدم بابنة دكتور نافذ يشغل حيزاً من فراغ السياسة والبزنس (وهم كثر)، فهل تتوقع شيئا أكثر مما حدث مع وزير العدل؟ هل تتوقع أن تصبح أستاذاً جامعياً وزميلتك «بنت الناس الأكابر»، تنتظر الفرج؟.. أطمئنك يا عزيزي هذا لن يحدث أبداً.
لنفترض أنك تفوقت في الثانوية العامة، غامرت ودخلت كلية الطب مثلاً، وغامرت أكثر وتفوقت مرة بعد مرة، وعاما بعد عام، هل تتصور أن تحقق حلمك في الالتحاق بالكادر الجامعي في أقسام الجراحة (قسم الباشاوات)، أو النساء (الممنوع على الأقباط)؟.. كونك متفوقاً في الدراسة لا يعني شيئاً، سيأتيك من يهمس في أذنك قبل امتحانات الشفوي «اتلم وخليها تعدي»، ستحسب مستقبلك بعد الانتهاء من طابور طويل من «عيال الدكاترة»، وستكتشف أن الطريق إلى «كادر الجامعة»، يمر عبر البوابات الخلفية في أقسام الفسيولوجي والكيمياء الحيوية والأشعة.. ستجد نفسك محشوراً في وسط يعرف بعضه البعض، هم أحباب وأصدقاء وأصهار وأقارب، أما أنت فمهما كانت درجتك العلمية ستظل أمامهم «ابن الزبال».
سيتكرر معك الأمر في كل كلية، حتى لو اخترت أن تذهب للكليات العسكرية، سيقف أمامك «كشف الهيئة»، وحين تتخرج وتغامر في السلك الدبلوماسي، سيقولون لك ما قالوه من قبلك لعبدالحميد شتا «غير لائق اجتماعيا»، وحين تتجه للقطاع الخاص، ستطوف على الأبواب تدق طالباً وظيفة، لن يسعفك فيها تعليمك المتهالك، ولن تفيدك فيها درجاتك الضخمة، وستمر من جنبك شابة ظريفة، لديها موعد مع رئيس رئيسك المستقبلي، لتخبره أن «أونكل فلان» أرسلها إلى هنا.
عزيزي «ابن الزبال»
استقال الوزير الذي أهاننا جميعاً، لكنك ضمن 138 طالبا متفوقا ستظل للأبد تطالب بتعيينك في النيابة، وسيبتسم لك رجل أبله بنصف عقل ليخبرك أنك «غير لائق اجتماعياً».. ستحصل على الماجستير وتتقدم لشغل وظيفة في جهاز الدولة، فينصحك الجميع «بلاش بهدلة».. ستعاند أكثر وتحصل على الدكتوراه في تخصص نادر، وقتها فقط، ستنضم إلى المئات من زملائك الذين يتظاهرون منذ 2011، مطالبين الدولة بحقوقهم، فتطاردهم عصيان الأمن المركزي، حيث أولاد الزبالين يضربون أولاد الزبالين، فيما يقف الباشا وسط الجموع ليتهمك بالشغب، ويحيلك إلى باشا آخر يقصف عمرك الغض، بخمسة عشر سنة في السجن لأنك «تظاهرت دون تصريح».
يا أخي ووجعي وشقيقي في الهموم.. هذي البلاد لم تعد بلاداً، نحن «أنفار» العزبة الممتدة بطول التاريخ، واستقالة وزير أعلن عن ضمير الدولة الفاسد، لن يغير من الأمر شيئاً، فقط ستفرح معي بأن الغلابة انتصروا رمزياً، وبعد يوم اثنين ثلاثة أسبوع، ستجلس بجوار والدك الذي أنهكه المرض، ووالدتك التي انكوت روحها من خيبة الأمل، وتقول لهم «طالبين فراشين بالإعدادية.. هاشوف حد يوديني».
يقول النبي «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وتقول الحكومة إنك «غير لائق اجتماعيا»، وعليك أن تختار: إما البقاء في «عزبة الألف باشا» أو الرحيل إلى حيث وجد آدم في الأرض براحاً أكبر من بؤسنا جميعا.
نقلا عن المصري اليوم